تطلق هيئة أسواق المال اليوم أكبر وأول مبادرة توعوية بتاريخ العمل الرقابي المالي الحكومي مواكبةً لتحقيق أقصى درجات التوعية والشفافية وتزويد السوق بالعديد من البيانات والمعلومات المؤسسية والمرجعية، والتي تعتبر نافذة اقتصادية جديدة لتكريس التوعية المستدامة.

وتتمثل مبادرة الهيئة التي تحظى باهتمام واسع وكبير من مجلس مفوضي الهيئة برئاسة د. أحمد الملحم، بإطلاق أول مجلة إلكترونية اقتصادية متخصصة، في خطوة منها لزيادة جرعة النشاط الاقتصادي وتعزيز المعلومات بأسلوب مؤسسي دقيق يمكن البناء عليه.

Ad

كما تتمثل بتقديم رافد جديد للمهتمين بالسوق الكويتي عموماً من واقع مسؤولية ورصد لمتطلبات واقعية إذ أظهرت الأزمات المختلفة التي مرت على الاقتصاد، سواء ما كان منها في سياق الدورات الاقتصادية المتعاقبة أو لأسباب أخرى، نقصاً واضحاً في التوعية الاقتصادية المؤسسية المستدمة.

ورغم المحاولات العديدة الناجحة للإصدارات الاقتصادية، فإن الوليد الجديد سينطلق ليكمل ويمثل إضافة ويخلق نهجاً وواقعاً جديداً من التوعية المؤسسية ويحاكي الاتجاهات العالمية في الشفافية.

وللإشارة حققت الهيئة هذا الإنجاز الذي يخرج للنور اليوم تحت وطأة وتداعيات "كورونا" وكان لافتاً أن تداعيات تفشي فيروس كورونا والإجراءات الاحترازية لمواجهتها لم تقف حائلاً أمام قيام هيئة أسواق المال بتنفيذ كمٍ من المهام ضمنتها تقريرها السنوي الصادر أخيراً.

كما كان لافتاً أيضاً مواصلة الهيئة جهودها الحثيثة لوضع توجهاتها في شتى مجالات عملها موضع التطبيق وكأن شيئاً من "استحقاقات كورونا" لم يكن، وكان آخر ماتم في هذا الإطار إعلان الهيئة أخيراً إطلاق أول أعداد مجلتها الإلكترونية التي ستصدر بانتظام ربع سنوي.

المبررات... والغايات

قد تثار تساؤلات عدة عن مستهدفات الهيئة وغاياتها من إصدار مجلة توعوية فصلية تعنى بالشأن الاقتصادي وأنشطة الأوراق المالية، وقد وضع د. أحمد الملحم رئيس مجلس مفوضي الهيئة ومديرها التنفيذي النقاط على حروف تلك التساؤلات وقدم في حوار مع "الجريدة" الإجابات الشافية بشأنها، "فالمجلة لا تسعى لتشكل دليلاً لنجاح المستثمر في عالم المال والاستثمار فحسب، بل تهدف إلى التأسيس لثقافة توعوية مطلوبة في مختلف القضايا المالية والاستثمارية والقانونية عموماً، وتلك المتصلة بأنشطة الأوراق المالية، كما تسعى الهيئة لجعل مجلتها بمنزلة منصة إعلامية لتغطية أخبارها وفعالياتها، ومتابعة أحدث المستجدات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية.

وباستعراض أول إصدارات المجلة، يُلاحظ كم كبير من التنوع الغني في موضوعاته بين أخبار اقتصادية حديثة العهد، أو موضوعات توعوية تتصل بأنشطة الأوراق المالية متنوعة بدورها، ورسائل توعوية موجزة مباشرة وموضوعات معمقة، أما الإطار الزمني لتلك الموضوعات فيتراوح بين "الزمن الاقتصادي الجميل" فيعرض لسيرة أحد روادنا الاقتصاديين الأوائل، وبين حاضرنا الاقتصادي المعيش تعرض له عبر مجموعة من الأخبار الاقتصادية ومشاريع تعكف الهيئة على تنفيذها في الوقت الراهن، كما خصصت ركن "آفاق وتوجهات" لعرض أبرز مشاريعها ورؤاها المستقبلية.

زوايا المجلة

سيتضمن الإصدار الأول للمجلة، عشر زوايا ذات موضوعات متخصصة، إضافة إلى افتتاحية العدد التي تضمنت كلمة للمدير التنفيذي للهيئة أشار فيها إلى طبيعة الإصدار وموضوعاته ومستهدفاته، وزاوية ختامية لرئيس تحرير المجلة - مدير مكتب التوعية في الهيئة تحدث فيها عن ظروف الإصدار وتأخره عن موعده المقرر بعض الوقت بفعل تداعيات جائحة كورونا، أما زوايا المجلة الأخرى وهي دورية فنعرض لها تباعاً مع تعريفٍ موجزٍ بكلٍ منها:

- عبق الريادة: تستهدف التعريف بشخصية اقتصادية بارزة، وقد خصصت زاوية العدد الأول لخالد الخرافي أول مديري سوق الكويت للأوراق المالية.

- الزاوية القانونية: زاوية مخصصة لتناول موضوعٍ قانوني ما، حيث تناولت في العدد الأول الاستحقاقات القانونية والاقتصادية لإصدار قانون إنشاء الهيئة، بعد عرض زمني لتطورات التشريعات ذات الصلة، كما قدمت قراءة مبسطة لقانون الهيئة ولائحته التنفيذية.

- حوار العدد: تقدم هذه الزاوية حواراً مع إحدى الشخصيات الاقتصادية، فتعرض لآرائها في الشأنين: العام والاقتصادي وما يتصل منها بأنشطة الأوراق المالية، خصصت الزاوية في العدد الأول لحوارٍ مع د. يوسف الإبراهيم المستشار الاقتصادي في الديوان الأميري.

- التقرير الفصلي لأداء بورصة الكويت: الزاوية مخصصة لعرض شامل لأداء بورصة الكويت عبر مؤشراته المختلفة، وتناولت في العدد تقريراً خاصاً بنشاط البورصة خلال الربع الثالث من عام 2020.

- آفاق وتوجهات: تعرض هذه الزاوية لأبرز مشاريع الهيئة وتوجهاتها الحالية والمستقبلية، وتناولت هذه الزاوية في الإصدار الأول موضوعاتٍ أربعة: (مشروع تطوير منظومة أسواق المال، برنامج الهيئة التدريبي لحديثي التخرج، بوابة الهيئة الإلكترونية، المشروع الوطني لتعزيز الثقافة المالية).

- بورصة الكويت: تخصص هذه الزاوية لتناول جانب من أنشطة البورصة والإجراءات ذات الصلة بها، وتناولت في العدد الأول تطورات الترقيات المختلفة للبورصة وفق معايير وكالات التصنيف العالمية، والانعكاسات المتوقعة لذلك على الصعيد الاقتصادي.

- الزاوية التوعوية: تتناول هذه الزاوية قضايا توعوية مختلفة، إذ تضمن الإصدار الأول على سبيل المثال: (دور المعلومة في أسواق المال، تغريدات توعوية، التعريف ببورصة عالمية، بقعة ضوء توعوية، إضافة إلى تحذيرات الهيئة من سلوكيات معينة).

- أخبار اقتصادية: تعرض لأبرز الأخبار الاقتصادية خلال الفترة القصيرة السابقة للإصدار، وطغت أخبار تفشي فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية على هذه الزاوية في الإصدار الأول.

- ملف العدد: تقدم هذه الزاوية عرضاً موسعاً لأحد الجوانب ذات الصلة بمهام الهيئة ومشاريعها، وعرضت في الإصدار الأول لمشروع خصخصة البورصة ومساره التاريخي.

- أحداث وفعاليات: زاوية مخصصة لعرض أبرز أنشطة الهيئة خلال فترة الإصدار، وكان طبيعياً أن تخصص زاوية العدد الأول لتلك الفعاليات في ظل كورونا.

مجلة مهنية... بكفاءات وطنية

يأتي إصدار مجلة توعوية أياً كانت طبيعتها، تجربة تستحق الإشادة لاعتبارات عدة تتصل بمستهدفاتها التي تتخطى حدود مهام الهيئة وطبيعة أنشطتها، لتتناول شأناً عاماً يهدف للنهوض بواقع الثقافة المالية المحلية عموماً، لاسيما مع ترابط توجه كهذا مع توجهات أخرى للهيئة وضعتها موضع التطبيق خلال السنوات القليلة الماضية، بعضها مثّل تجربة إقليمية كما حال المشروع الوطني لتعزيز الثقافة المالية في أوساط مجتمعية مختلفة لاسيما الطلبة في المراحل التعليمية المختلفة باعتبارهم مستثمري الغد وأسس التوجهات التنموية في التحول إلى مركزٍ مالي.

والملاحظ أن تجربة الإصدار هذه بعيداً عن التقييم الفني تستحق الإشادة أيضاً لاعتمادها بصورة كاملة على جهودٍ ذاتية لكفاءات وطنية من منتسبي الهيئة، ودون حتى الاستعانة باستشاراتٍ من متخصصين، ومع ترحيب المجلة وفقاً لما ورد على لسان مدير تحريرها في كلمته الختامية بكل الآراء والمقترحات والانتقادات، واستعدادها لإجراء تعديلات مطلوبة وتحديثاتٍ متتالية، فإننا نتوقع تطوراً ملحوظاً في أعدداها المتتالية يوازي طموح الهيئة في جعلها منبراً توعوياً بارزاً محلياً وإقليمياً.

وعلى الرغم من الريادة الإقليمية للنشاط الاقتصادي المحلي ونجاحاته المشهودة، ورغم عراقة تاريخ أنشطة الأوراق المالية الذي يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، ترى هيئة أسواق المال أن ذلك كله لم يترافق بتطور مماثل في الإعلام الاقتصادي الذي أخذ نصيبه من الاهتمام في وقتٍ متأخر مقارنة بتلك الأنشطة، كما أظهرت الأزمات المختلفة التي مر بها واقع تلك الأنشطة سواءً ما كان منها في سياق الدورات الاقتصادية المتعاقبة أم لم يكن، نقصاً واضحاً في التوعية الاقتصادية عموماً، ورغم المحاولات العديدة الناجحة للإصدارات الاقتصادية فإن محدودية أعدادها واقتصار أمدها قلل من تأثيرها في عالم يتسم بالديناميكية اللحظية والتطور المتسارع، فالإعلام الاقتصادي عموماً رغم أهميته وتطوره خلال العقود الأخيرة، لكنه برأي البعض قد تعثر في التحول إلى أداة توعوية تساهم في تعزيز الثقافة الاقتصادية والتنموية التي تفتقدها بيئتنا المحلية بنسبة كبيرة خصوصاً مع غياب الدراسات والأبحاث المعمقة والتركيز على حيادية الخبر الاقتصادي، مما يدفعنا للترحيب بأي محاولة في هذا الإطار ونشد على أيدي القائمين بها.

ولا نقصد بكلامنا المبالغة في إطراء توجه الهيئة لإصدار مجلة توعوية في الوقت الراهن باعتباره الحل السحري لواقعنا التوعوي، بل يمكن اعتباره أول الغيث المطلوب نأمل استمراره وتطوره، كما نأمل لجهاتنا الرقابية الأخرى أن تحذو حذو الهيئة لتتكامل جهودنا جميعاً للنهوض بالواقع التوعوي المالي المحلي وفقاً لما تقتضيه متطلبات التحول للمركز المالي.

بالمحصلة، مع تخطي هيئة أسواق المال لمرحلتها التأسيسية وبدء أولى خطواتها التالية في الانطلاق نحو العالمية وهذا ماتترجمه الترقيات المتتالية في تصنيف الكويت والبورصة المحلية ومشاركة فاعلة للهيئة في المنظمات الدولية، كان لابد أن تترافق هذه المرحلة بانتهاج آلية مغايرة نوعاً وكماً لتنفيذ الفعاليات التوعوية تتناسب وطبيعة المرحلة الجديدة، وهذا ما باشرته الهيئة أخيراً عبر إجراءات شتى تمثل مجلة الهيئة إحدى مفرداتها وأن تشكل مجلة الهيئة إضافة حقيقية للإعلام الاقتصادي المحلي، وأن تساهم بصورة فعلية في الارتقاء بمستويات الثقافة المالية إلى المستويات التي ننشدها جميعاً.

الإبراهيم يتحدث عن دور القطاع الخاص بالاقتصاد

اللقاء الافتتاحي للمجلة مع المستشار في الديوان الأميري د. يوسف الإبراهيم يسلط فيه الضوء على دور القطاع الخاص بالاقتصاد وأهميته الاستراتيجية ودور الحكومات الأساسي في الشأن الاقتصادي وأهمية تنويع مصادر الدخل كخيار مهم واستراتيجي مروراً برؤية الكويت الاقتصادية التنموية التي تمثل آمالاً عريضة وطموحة ومستقبلاً واعداً.