طوال 26 سنة فرض ألكسندر لوكاشينكو كامل سيطرته على بيلاروسيا، تلك الدولة الخامدة في شرق أوروبا حيث يقيم تسعة ملايين نسمة بين بولندا وروسيا، وتظهر حركات المعارضة وتختفي بانتظام في هذا البلد، ودائما نجح لوكاشينكو في سحق أي شكل من الاحتجاج.لكنّ هذه المهمة ليست سهلة اليوم بقدر ما كانت عليه في الماضي، ففي المقام الأول سئم المواطنون من الوضع القائم لأقصى حد، فقد فشل لوكاشينكو في التعامل مع فيروس كورونا واكتفى بدعوة الناس إلى ركوب الجرارات، من دون أقنعة طبعاً، وارتشاف الفودكا للتصدي للفيروس.
نتيجةً لذلك، كان متوقعاً أن تبلغ معدلات الإصابة بفيروس كورونا مستويات هائلة، من بين الأعلى في أوروبا، وهذا الوضع لم يمنع سكان بيلاروسيا من إيجاد الحلول بأنفسهم، فتكاتفوا وأمّنوا معدات الحماية الشخصية والمساعدات الطبية بطريقة دفعت الكثيرين إلى التساؤل عن السبب الذي يجعلهم يدفعون الضرائب إلى حاكم مستبد وغير كفء.لم يتوقع أحد أن تكون الانتخابات الرئاسية في أغسطس 2020 مثيرة للاهتمام، لكن إلى جانب التخبط في التعامل مع الوباء المستجد، استنتج لوكاشينكو أن إجراء الانتخابات في شهر أغسطس لن يهمّ الناخبين لأنهم يفضّلون تمضية وقتهم في منازلهم الريفية واحتساب محصول الطماطم الصيفي. لكنه كان مخطئاً مجدداً، ففي الظروف العادية، كانت بيلاروسيا تنظّم الانتخابات خلال فصل الشتاء الجامد وكانت الاحتجاجات في "مينسك" في شهر يناير أو فبراير تجمع عدداً ضئيلاً من أصحاب الحق. في الماضي، كانت أحزاب المعارضة تنجح في تعبئة أعداد محدودة من الحشود المتجمدة وسط البرد القارس، لكن أخطأ لوكاشينكو في حساباته حين سمح لامرأة بالترشح ضده، فبعدما منع أتباعه ترشّح عدد من الرجال المؤهلين، بما في ذلك مدوّن سياسي وأهم مصرفي في البلد، تكاتف داعموهم وزوجاتهم ونظّموا صفوفهم.نتيجةً لذلك، برز اسم سفياتلانا تسيخانوسكايا، زوجة المدوّن السياسي الشهير سيارهي تسيخانوسكايا، التي فازت على الأرجح بالسباق الرئاسي في 9 أغسطس، لكنها هربت إلى "فيلنيوس"، ليتوانيا، بعد يوم واحد لأنها تعرّضت للتهديد ومع ذلك لا تزال تُعتبر رمزاً للمقاومة، لكنّ المعارضة المتفاوتة ليست مستعدة بعد لاستلام أكبر المهام، حتى أنها لن تجيد إدارة مجلس مدينة "مينسك". تسود خلافات داخل الحركة الاحتجاجية ولا تريد تسيخانوسكايا أصلاً أن تصبح رئيسة البلاد، وقد عبّرت عن هذا الرأي مراراً خلال حملتها الانتخابية، ومن المتوقع أن تحصل احتجاجات ضخمة في عطلة نهاية الأسبوع، لكنها قد لا تكون كافية لطرح تهديد جدّي على حكم لوكاشينكو. عمد الرئيس ومساعدوه غير الرسميين إلى تعطيل الإنترنت، فمنعوا بذلك سكان بيلاروسيا من الوصول إلى معلومات مجانية، حيث يطّلع ملايين الناس اليوم على آخر المستجدات عبر تطبيق "تلغرام" على هواتفهم الخليوية.يسهل أن يتذكر الكثيرون أحداث بولندا خلال الثمانينيات عند رؤية الطابع السلمي للاحتجاجات والمشاهد البطولية التي تظهر فيها الجدّات الشجاعات وهنّ يقفن في وجه قوات الأمن العنيفة التابعة للوكاشينكو، لكنّ مستقبل الاحتجاجات لا يزال غير مؤكد، فقد هدّد الاتحاد الأوروبي بفرض العقوبات واكتفت وزارة الخارجية الأميركية بإصدار مواقف مألوفة. لا تحمل بيلاروسيا أي أهمية جيوسياسية وتتابع الولايات المتحدة التركيز على شؤونها الداخلية ولا تزال منشغلة بانتخاباتها الرئاسية المقبلة وإخفاقها في التعامل مع فيروس كورونا، وفي غضون ذلك، تتحرك روسيا ضمناً وعلناً، فقد أرسلت موسكو فريقاً لاستبدال الإعلاميين المحليين بعد استقالتهم احتجاجاً على الأوضاع ومستشارين لمساعدة لوكاشينكو. كذلك، أعلن فلاديمير بوتين على التلفزيون الروسي الحكومي أنه مستعد لتقديم المساعدة إلى لوكاشينكو عبر إرسال قوة شرطة احتياطية عند "خروج الوضع عن السيطرة"، وقد تمرّ أشهر عدة قبل أن تنتظم الأمور، لكنّ موسكو معتادة دوماً على خوض لعبة طويلة، أما الولايات المتحدة، فهي تقف على الهامش مجدداً وتفتقر بكل وضوح إلى النفوذ والسلطة. * «ميليندا هارينغ»
مقالات
هل ينتصر لوكاشينكو في بيلاروسيا؟
01-09-2020