قبل ساعات من وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، حلت عقدة التكليف بعد حصول سفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب على أغلبية أصوات النواب لتكليفه بتشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة. وأسفرت نتائج الاستشارات النيابية، أمس، عن تسمية أديب بـ 90 صوتاً مقابل 16 لسفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة نواف سلام و7 أصوات لا تسمية وصوت لكل من الوزيرة السابقة ريا الحسن والوزير السابق الفضل شلق.
أديب
«نتمنى التعاون لتشكيل الحكومة في سرعة قياسية وادعوا لنا بالتوفيق». هكذا اختصر الرئيس المكلف مهمته في المرحلة المقبلة. فالرجل الطرابلسي الداخل حديثاً إلى نادي رؤساء الحكومات يبدو متيقناً من أن الغطاء السني الذي ناله بشكل مفاجئ من رؤساء الحكومات السابقين، معطوفاً على تأييد «الثنائي الشيعي» و«التيار الوطني الحر» سينعكس إيجاباً على حركته لتشكيل حكومة بشكل سريع. وقال أديب بعد لقائه رئيسي الجمهورية ومجلس النواب ميشال عون ونبيه بري في قصر بعبدا أمس: «في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها وطننا لاسيما بعد التفجير المدمر في المرفأ وسقوط شهداء وجرحى ومفقودين، لا وقت للكلام والوعود والتمنيات. الوقت للعمل بكل قوة بتعاون الجميع من أجل تعافي وطننا واستعادة شعبنا الأمل بغد أفضل، لأن القلق كبير لدى جميع اللبنانيين على الحاضر والمستقبل». وتابع: «سنوفق في هذه المهمة لاختيار فريق عمل وزاري متجانس من أصحاب الكفاءة والاختصاص وننطلق سريعاً، بالتعاون مع المجلس النيابي الكريم، في إجراء الإصلاحات الأساسية وبسرعة، ما من شأنه أن يضع البلد على طريق التعافي الصحيح ووقف النزف المالي والاقتصادي والاجتماعي الخطير، فنستعيد نحن اللبنانيين مبادرة الأمل والعمل لإنهاض وطننا وتحقيق عافيته».عون يعاقب «mtv» بعد نزعها صفة الرئيس عنه
فوجئ فريق عمل محطة «mtv» اللبنانية صباح أمس بمنعه من دخول القصر الجمهوري في بعبدا لتغطية الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة. وجاء قرار المنع على خلفية توجيه المحطة انتقادات لاذعة لرئيس الجمهورية ميشال عون إثر وقوع الانفجار الهائل في مرفأ بيروت. وقال مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، في بيان امس، إن «المحطة تهاجم الرئيس وتنزع عنه الصفة الرسمية وتكتفي باسمه من دون لقبه، مع التمادي بشتمه وتجريحه وإطلاق النعوت غير اللائقة»، مذكراً بأن هذه «المخالفات يعاقب عليها قانون الإعلام المرئي والمسموع، والذي يجيز إقفال المحطة عند تكرار المخالفة». وتابع: «بُذلت محاولات عدة مع المحطة لإعادة النظر بالأسلوب غير اللائق من دون أن تسفر عن نتيجة، الأمر الذي اضطرنا إلى الاعتذار عن عدم السماح لهذه المحطة بتغطية نشاطات قصر بعبدا، مادام أنها لا تقيم وزناً واحتراماً لرئيس الدولة إلى حد عدم الاعتراف بصفته الرئاسية». وأثار قرار المنع تعليقات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي والكثير من الإعلاميين الذين استغربوا مثل هذا التصرف، إذ أجمعوا على أنه سابقة خطيرة تتعارض مع الحريات العامة.
زيارة المرفأ
من القصر الجمهوري انتقل الرئيس المكلف إلى الأرض حيث تفقد أضرار انفجار «المرفأ» في منطقتي الجميزة ومار مخايل. وخلال جولته على المناطق المتضررة، قال: «نأمل أن نستطيع إعادة إعمار ما تهدّم بهمة أهل بيروت وبهمّتنا ونأمل تشكيل الحكومة في أسرع وقت». وأضاف لأهالي الجميّزة ومار مخايل: «أتيت لأقول لكم الحمد لله على سلامتكم وإن شاء الله نتمكن من تغيير النهج المعتمد». وقال رداً على سؤال عما إذا كانت الحكومة ستكون خالية من سياسيين: «بإذن الله». وانقسم الشارع بين من يرحب بالرئيس المكلف لكن الأغلبية كانت من المعارضين الذين هتفوا بوجهه «ثورة» رافضين وجوده.بري
وفي مواقف لها دلالات على نية الأطراف السياسية تسهيل تشكيل الحكومة شدد الرئيس بري، أمس، على «ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة قوية جامعة للكفاءات تمتلك برنامجاً إنقاذياً إصلاحياً محدداً بفترة زمنية ورؤية واضحة حول إعادة إعمار ما تهدم والمباشرة بالإصلاحات الضرورية على المستويات كافة، من دون شروط سابقة». وجدد بري «الدعوة الصادقة لكل من في البرلمان ومن في المعارضة والحراك إلى ملاقاتنا في منتصف الطريق وتحت سقف المؤسسات إلى الحوار حول العناوين التالية: وأهمها دولة مدنية وإنشاء مجلس الشيوخ واستقلالية القضاء وتنظيم الضرائب في الدولة اللبنانية وصياغة قانون انتخابي». كما قال رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أمس إنه: «علينا جميعاً تقديم الالتزام بالإصلاح ولو كان توقيعاً أمام الشعب اللبناني والاستفادة من زيارة الرئيس الفرنسي لتأكيد هذا الالتزام أمام المجتمع الدولي وسنقدم كل التسهيلات المطلوبة لتشكيل الحكومة». ولفت إلى أنه «استباقاً لكل ما سيقال تكتلنا سيكون الجهة الدافعة للتسهيل والإسراع في تشكيل الحكومة». حاز أديب تسمية كلّ من رؤساء الحكومات السابقين: نجيب ميقاتي، وسعد الحريري وتمام سلام، والكتل النيابية الآتية: «المستقبل»، و»الوفاء للمقاومة»، و»التكتّل الوطني»، و»اللقاء الديمقراطي»، و»الوسط المستقل»، و»الكتلة القومية الاجتماعية»، و»لبنان القوي»، و»ضمانة الجبل»، و»النواب الأرمن» و»التنمية والتحرير»، إضافة إلى النائب إدي دمرجيان.وتحفّظ عن تسمية أي شخصية كلّ من نائب رئيس مجلس النوّاب إيلي الفرزلي وكتلة «اللقاء التشاوري» (نواب سنة) والنواب: شامل روكز وأسامة سعد وجميل السيّد. وسمّت كتلة «الجمهورية القوية» والنائب فؤاد مخزومي، السفير سلام. وسمّى النائب ميشال ضاهر الوزيرة السابقة الحسن، فيما سمّى النائب جهاد الصمد الوزير السابق الفضل شلق. واعتذر النائب نهاد المشنوق عن المشاركة بالاستشارات، فيما غاب عنها النواب: ديما جمالي (المستقبل)، فيصل كرامي (اللقاء التشاوري)، ألبير منصور (الكتلة القومية الاجتماعية)، جان طالوزيان (الجمهورية القوية) وميشال المر.أضرار انفجار المرفأ نحو 4.6 مليارات دولار
قال البنك الدولي إن الأضرار في الأصول المادية من جراء انفجار بيروت، تتراوح بين 3.8 و4.6 مليارات دولار، لافتا إلى أن الخسائر متضمنة التغيرات في التدفقات الاقتصادية نتيجة لانخفاض ناتج القطاعات الاقتصادية، بما يتراوح بين 2.9 و3.5 مليارات. ووفقاً للتقديرات الأولية الصادرة عن البنك الدولي فإن «أكثر القطاعات تضرراً كانت قطاعي الإسكان والنقل والموجودات الثقافية الملموسة وغير الملموسة بما في ذلك المواقع الدينية والأثرية، والمعالم الوطنية، والمسارح، ودور المحفوظات، والمكتبات، والآثار».وقدّر البنك احتياجات إعادة إعمار هذا المرفق العام وتعافيه، لعامين 2020 و2021، بما يتراوح بين 1.8 و2.2 مليار دولار، ويلزم في القريب العاجل توفير ما بين 605 و760 مليون دولار حتى ديسمبر 2020، ومن 1.18 إلى 1.46 مليار دولار على المدى القصير لعام 2021.
الحريري
وشدد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد لقائه الرئيس عون أمس على أنه «يجب أن يكون هدفنا جميعاً إعادة إعمار بيروت وتحقيق الإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد لنكسب دعم المجتمع الدولي ونسيطر على الانهيار». ولفت إلى أنه «لتحقيق هذه الأهداف على الحكومة أن تتشكل من أشخاص معروفين بالكفاءة والنزاهة والاختصاص ويجب أن تتشكل بسرعة مع صياغة البيان الوزاري بسرعة». وأشار إلى أن «كل الكتل النيابية أعلنت تعاونها مع الحكومة لتحقيق الهدف المنشود»، موضحاً أن «كلّ الكتل النيابية اعتراضها عليّ معروف ورأيتُ أن البلد اليوم بحاجة إلى حلول وإلى النهوض وليس إلى مناورات». وختم: «يجب القيام بالإصلاحات لاستعادة ثقة الخارج».إلى ذلك، قال عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب جورج عدوان التكتل من قصر بعبدا، أمس، ان «الكتلة اختارت نواف سلام لترؤس الحكومة المقبلة لأنّ لا تجارب مجهولة معه وموقفه السيادي معروف». وأردف «آن الأوان لنأخذ نحن قراراتنا وأنّ يكون من يكلّف هو المسؤول ونحن كقوات لا نشبههم ولا هم يشبهوننا وسنصنع التغيير من قلب المؤسسات ولن نقبل بتسويات لا داخلية ولا خارجية على حساب لبنان».ووجه السفير سلام في بيان أمس، شكراً إلى «كل من منحني ثقته من أهل بلادي، ولاسيما إلى الشابات والشباب منهم، وبالأخص هؤلاء الذين لم يتوقفوا، رغم شدة الأحوال وكل الصعاب، عن مواصلة السعي للتغيير وإقامة الدولة المدنية القوية والعادلة، دولة الحرية والمساواة فيالمواطنية». وتابع: «فشابات وشباب لبنان هم الأمل الحقيقي، ولهم كل الحق في دولة ديمقراطية لا طائفية تسود فيها أحكام القانون وقواعد الشفافية والمحاسبة من أجل أن ينهض لبنان من كبوته، وأن يكون مستقبلاً على قدر طموحاتهم».