كثرة الاستجوابات وربطها بالفساد
لا شك أن الفساد آفة المجتمعات تفتك بالمجتمع وتهدد كيانه، ولقد عرفت المجتمعات البشرية هذه الظاهرة عبر عصورها المختلفة، فهي ظاهرة لا تنقطع، ولكنها في العصر الحاضر أصبحت سمة مميزة لهذا العصر، وهي منتشرة في المجتمعات الديمقراطية وغيرها، وفي المجتمعات الديمقراطية يمارسها أحزاب وأفراد ورجال أعمال وكبار الموظفين لتحقيق مصالحهم الخاصة أو مصالح ناخبيهم على حساب المصلحة العامة. وعودة إلى عنوان المقال وهي كثرة الاستجوابات المقدمة في هذه الفترة المتبقية من عمر المجلس، إذ لم يتبق من عمره سوى أسابيع قليلة، وهناك من يربط بين ظاهرة كثرة الاستجوابات واقتراب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر إقامتها 28 نوفمبر القادم، فالنواب المستجوبون يريدون أن يقدموا أنفسهم للناخبين على أساس أنهم كانوا حازمين في الدفاع عن المصلحة العامة ومراقبة الحكومة ومحاسبتها، وبالتالي فهم ليسوا مسؤولين عن الفشل والإخفاقات التي تحدث في الدولة. فكأن بعض الأعضاء يريد أن يتخد من المجلس منبرا إعلاميا لتلميع صورته أمام ناخيبه لإعادة انتخابه مرة أخرى حتى لو كانت بعض الاستجوابات عبثية ومضيعة لوقت الدولة ووقت المجلس، وقد يكون ما يقوم به هؤلاء الأعضاء هو قمة الفساد، ففي الوقت الذي تبدو فيه الدولة بحاجة ملحة لمناقشة الظروف الصحية والعجز المالي تنهال مثل هذه الاستجوابات الموصوفة بالعبثية، ونأمل أن يكون الشعب واعيا لمحاسبة هؤلاء الأعضاء ولا يعيد انتخابهم.
وأثبت العضو بدر الملا أثناء معارضته الاستجواب الثاني المقدم إلى وزير المالية ومن العضو نفسه، وفي دورة الانعقاد نفسها أن محاور الاستجواب الثاني لا تختلف عن محاور الاستجواب الأول، بل إن المستجوب اختصر صفحات الاستجواب الثاني، كما أن الوزير لا يساءل عن قرارات لم تتخذ بعد. واجتاز وزير المالية عقبة طرح الثقة للمرة الثانية بعد أن رفض غالبية الأعضاء طرح الثقة بالوزير للمرة الثانية، ثم تقدم النائب شعيب المويزري باستجواب لوزير الداخلية، وبعد أن قرأ الوزير محاور الاستجواب تقدم ببلاغ للنائب العام يطلب منه التحقيق معه لكشف صحة ما ورد في المحور الأول من الاستجواب، حيث يتهمه المستجوب بالتربح من منصبه، فهو يطالب بمساءلته جنائيا عن هذا الاتهام لا الاكتفاء بمساءلته سياسيا. واجتاز وزير الداخلية عقبة طرح الثقة بعد أن صوّت أغلبية المجلس لصالحه، وتعهد الوزير بعد تجديد الثقة بأنه سيبذل قصارى جهده لخدمة الدولة، وسيهتم بشكل خاص بقضية اتهام الوزارة بالتجسس على المواطنين، حيث كشفت بعض التسريبات عمليات تسجيل وتجسس على بعض الشخصيات منهم برلمانيون وإعلاميون. وتعهد بإجراء تحقيق عاجل، وأوقف مسؤولين أمنيين بارزين وأحالهم إلى التحقيق، وبعد فشل طرح الثقة بوزير الداخلية أعلن النائب محمد هايف أنه سيتقدم باستجواب جديد لوزير الداخلية من محاور جديدة، كما أعلن النائب عبدالكريم الكندري تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء، كما تقدم النائب الحميدي السبيعي باستجواب آخر لرئيس الوزراء، وهناك استجواب لوزير التربية، ولا أحد ينكر حق العضو بالمساءلة والاستجواب لكن يجب أن تطرح بشكل عقلاني.ولذلك جاءت كلمة سمو نائب الأمير ولي العهد التي وجهها للشعب في مكانها لوقف الجدل، وتأكيده على أن قضايا الفساد سيتم حسمها في القضاء لا عبر وسائل الإعلام، كما لفت نظري مقال للكاتب أسامة سفر في ذكرى مرور عشرين عاما على وفاة النائب سامي منيس، أشار فيه إلى أن النائب الرمز لم يقدم سوى ثلاثة استجوابات طيلة فترة وجوده في البرلمان، كما أن الدكتور أحمد الخطيب، أطال الله في عمره، لم يقدم أي استجواب طيلة وجوده في البرلمان بالرغم من الانتقادات الإصلاحية التي يوجهها للسلطة، نتمنى أن يتعظ هؤلاء الأعضاء الذين يتسابقون في تلك الاستجوابات العبثية بتلك الرموز الشامخة.