التاميليون لم يتخلوا عن حقوق الإنسان مقابل التنمية الاقتصادية
يعتبر البعض نتائج الانتخابات البرلمانية في سريلانكا في 5 أغسطس مؤشراً على ابتعاد التاميليين عن أحزاب التاميل القومية التي تُركّز على الحقوق العرقية والمساءلة في زمن الحرب وتقاسم السلطة، واقترابهم من جماعات سياسية لها وجود في أنحاء البلد وتُشدد على التنمية الاقتصادية، لكنّ نتائج انتخابية مماثلة في الماضي لم تمنعهم من المطالبة بالحقوق والعدالة.كانت الاستراتيجية التي يتبعها التاميليون بسيطة وتقضي بمتابعة انتخاب كتلة الحزب التاميلي القومي من شمال البلد وشرقه، أي المناطق ذات الأغلبية الناطقة باللغة التاميلية، لكنّ "التحالف الوطني التاميلي" الذي ينتخبونه في العادة لم يحقق النتائج المرجوة للأسف، بل إنه مُتّهم بإعطاء الأولوية للتعاون مع الحكومة بدل تفعيل المحاسبة أو استرجاع حقوق التاميليين، ويبقى سجله في تنفيذ وعوده الانتخابية ضعيفاً.في 5 أغسطس، غيّر التاميليون خياراتهم الانتخابية، ففي دائرة "جافنا" الشمالية، وزعوا أصواتهم بين ثلاثة أحزاب قومية، فحصد "التحالف الوطني التاميلي" 10 مقاعد فقط من أصل 16 كان قد فاز بها خلال الانتخابات البرلمانية في أسطس 2015، لكن حصدت "الجبهة الشعبية الوطنية التاميلية" مقعدين و"التحالف الوطني الشعبي التاميلي" مقعداً واحداً.
في غضون ذلك، كان الناخبون الموالون للحكومة المركزية في كولومبو في شمال البلد وشرقه مستعدين أيضاً لتكثيف دعمهم لخياراتهم، حتى "حزب الحرية السريلانكي" الذي فاز بمقعد واحد في دائرة "جافنا" بعد سنوات عدة له روابط وثيقة بالحكومة السنهالية القومية برئاسة غوتابايا راجاباكسا. كذلك، حققت جماعات شبه عسكرية سابقة وعلى صلة براجاباكسا بعض المكاسب.تعهد أنجاجان راماناثان، مرشّح "حزب الحرية السريلانكي" في دائرة "جافنا" وسياسي على صلة بالحزب الحاكم في كولومبو، بتقليص مستويات البطالة والفقر المرتفعة هناك، وهذا ما رسّخ التحليلات القائلة إن التاميليين صوّتوا لصالح التنمية الاقتصادية على حساب حقوقهم وفضّلوا الأحزاب الموالية للحكومة على الأحزاب التاميلية القومية. لا يمكن اعتبار الحكومات التي تجعل ممثليها في شمال البلد وشرقه يتعهدون بالرعاية السياسية على شكل تنمية اقتصادية ظاهرة جديدة في انتخابات عام 2020. تكلمت "الجبهة الوطنية المتحدة للحكم الرشيد" عن هذا الطرح حين كانت في السلطة خلال عهد رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ، وتعهدت في عام 2017 بعودة "جافنا" إلى "مكانتها الأصلية وتحويلها إلى مركز اقتصادي"، لكن لم تتحقق أي نتائج بارزة في هذا الإطار.في منطقة عانت الفقر والبطالة خلال السنوات التي تلت الحرب الأهلية، تُعتبر التنمية الاقتصادية أساسية بغض النظر عن الحزب السياسي الذي ينفذها، لكن يجب ألا تصبح التنمية وحقوق الإنسان خيارَين منفصلَين بشكل عام.كان التاميليون قد صوّتوا في عام 2015 لصالح مرشّحين موالين للحكومة وعدوهم بتحقيق تنمية اقتصادية خيالية، لكنّ خيارهم لم يمنعهم من المطالبة بحقوقهم، وانطلقت مجموعة من أقوى تظاهراتهم السلمية، احتجاجاً على حالات الاختفاء القسري والاعتقالات السياسية واستيلاء الجيش على الأراضي، حين كانت "الجبهة الوطنية المتحدة للحكم الرشيد" في السلطة، واستمرت الاحتجاجات من فبراير 2017 إلى أن منع فيروس كورونا المستجد الناس من التجمّع احتجاجاً على مظاهر الترهيب والخيانة.يسهل أن تصبح التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان قضيتَين متلازمتَين، لكن يتراجع احتمال حصول ذلك في سريلانكا للأسف، ففي حين يتابع التاميليون النضال في سبيل حقوقهم وتقاسم السلطة والعدالة، فإنه لا مفر من أن يواجهوا حملات القمع، وعند حصول ذلك، يُفترض أن يتلقى الناشطون في مجال حقوق الإنسان والجماعات التاميلية الدعم من الأحزاب التاميلية القومية بدل التحجّج بـ"التعاون مع الرئيس راجاباكسا" لتبرير عدم تحريكها أي ساكن في ظل تصاعد الأعمال الوحشية. يجب أن تعارض هذه الجهات أسلوب الإكراه وتحمي الشعب وتناضل جماعياً لتحقيق طموحات التاميليين.* «جايابراكاش سيتامبالام تيسايناياغام»