اللطف صفة يستهين بها البعض ويستخف بها الكثيرون، فلا ندرك أثرها الكبير على الأنفس إلا عند اختفائها وترك كل تلك الأراضي القاحلة والمتصدعة خلفها، فاللطف ماء العلاقات الإنسانية وهو يفوق الأدب والتأدب اللذين قد يأتيان من باب المسؤولية والواجب، فنحن نتأدب حتى مع أعدائنا، لكن اللطف ينبع من مكان أكثر عمقاً وليونة في القلب، فهو يأتينا من باب التعاطف مع الآخر واستشعار ما يمر به من ظروف وأحاسيس والإحسان إليه، وكم نحن بحاجة إلى اللطف والرحمة بمن حولنا في هذه الفترة العصيبة والتي كشفت– مع الأسف- عن أقبح ما في النفس البشرية من جلافة ورعونة تنم عن ضعف وأنانية مفرطين في وقت كان من الأجدر بنا أن نتكاتف به في وجه المحن. قد يكون أولئك القساة أشد حاجة للرفق والرحمة بحالهم، فقد تحجرت قلوبهم بسبب افتقادهم لهذه القيم الراقية في حيواتهم، وإن كنت قادراً على أن ترأف حتى بأعدائك، فإنك قد وصلت إلى مرحلة متقدمة جداً من السمو الروحاني.اللطف ليس تكلفاً ولا تصنعاً، بل هو شجاعة محضة من قلب فُتح على مصراعيه وتواصل مع الآخر فوصل إلى قاعه، وإن كان ذلك للحظات معدودة فحسب، فلا تحرم من حولك من تواصلك اللطيف وليشمل رفقك الجميع من طفل وكبير ونبات وحيوان، سواء أكان سائق التوصيل أو عاملاً منزلياً أو صديقاً قديماً، وقل لمن لا يرغب في التواصل معك سلاماً، فمن حق أنفسنا علينا أن نحميها من الشخصيات السلبية التي لا تملك شيئاً سوى بث سمومها وتلويث حياة الآخرين. كن أنت المثال النادر في الرفق والتعاطف مع الآخر في مجتمع طغى فيه التكبر والأنانية وتبلدت المشاعر، فلعلهم يستيقظون من سكراتهم عند رؤية إحسانك للآخرين، لا سيما مع أولئك الأقل حظاً. إن التغاضي عن هفوات الآخرين فن ورشاقة، فهو يحفظ ماء وجههم وهم سيراجعون أنفسهم لا محالة، وهو يزيد من قيمتك في حياتهم فيخلق علاقات متينة، ولربما كان من الأصعب مسامحة الذات عن هفواتها وما قد يبدر منها من كلام جارح في لحظة انفعال، لذا وجب التأني قدر المستطاع قبل الوقوع في الخطأ ومسامحة الذات بعد مراجعتها.
تذكروا أن الرحمة هي الزاد الذي أحالنا من أطفال لا حول لنا ولا قوة إلى كبار ناضجين أسوياء، فما المعجزات التي يمكن أن تصنعها الرحمة بمن حولنا؟ ما أعظم الرفق! فهو الوقود الذي تنمو به جميع أشكال الحياة. جربها! كن أكثر لطفاً مع من حولك وقدر مشاعرهم فسترى تحولهم المدهش أمام عينيك.
مقالات - اضافات
كن لطيفاً
04-09-2020