على وقع حملة تتزايد عدوانية يوماً بعد يوم، انطلقت الانتخابات الأميركية رسمياً مع بدء عمليات الاقتراع بالبريد في ولاية كارولاينا الشمالية، أمس الأول، للاختيار بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي يشكك في نزاهة آلية التصويت ويستغل المخاوف من تحول الاحتجاجات العرقية لفوضى وأعمال الشغب، ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي كثف انتقاداته لرئيس "مؤسف غير مؤهل للمنصب".

وقبل 60 يوماً فقط عن موعد الانتخابات، بدأت كارولاينا الشمالية في إرسال أكثر من 618 ألف بطاقة اقتراع بريدية، لتلبية الطلب الكبير لملايين الناخبين الساعين إلى تجنب مراكز التصويت بسبب تفشي فيروس كورونا، وستتبعها في الأسابيع المقبلة ولايات أخرى مهمة مثل ويسكونسن، التي زارها ترامب وبايدن مؤخراً.

Ad

وبتسلم بطاقات الاقتراع ومباشرة المسؤولين الخطوة الأولى في عملية التصويت عبر البريد، يبدأ سباق انتخابي مدته ثمانية أسابيع، ينتهي في نوفمبر، في الولاية "المتأرجحة" في انتخابات الرئاسة وحاكم الولاية ومجلس الشيوخ.

وأظهر استطلاع لصحيفة "يو إس إيه توداي" وجامعة سافولك، أن 56 في المئة من الجمهوريين سيتوجهون شخصياً إلى مراكز الاقتراع، مقارنة بـ 26 في المئة من الديمقراطيين يعتزمون القيام بالأمر نفسه. وواحد من بين أربعة ناخبين لبايدن قالوا إنهم في حال خسارة مرشحهم في 3 نوفمبر، فإنهم لن يكونوا على استعداد للقبول بفوز ترامب باعتباره "فوزا عادلا". وعبر واحد من بين خمسة ناخبين لترامب عن رأي مماثل.

وخلال حملته، زرع ترامب بذور الشك في صفوف قاعدته إزاء شرعية انتخابات تتضمن عدداً كبيراً من بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد رغم أنه يصوت بهذه الطريقة في ولاية فلوريدا المسجل فيها.

ومن المتوقع أن يعلق المرشحان حملتهما مدة ثلاثة أيام خلال عطلة عيد العمال، التي تمثل عادة بداية مرحلة أكثر نشاطاً في السباق نحو البيت الأبيض، لكن يوم الجمعة المقبل قد يلتقي ترامب وبايدن وجها لوجه، إذ أعلن كل منهما عن المشاركة في مراسم في شانكسفيل بولاية بنسلفانيا، في ذكرى اعتداءات 11 سبتمبر 2001.

واتهم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين الصين بأن لديها أكبر برنامج من بين الدول التي تسعى للتدخل في الانتخابات، مؤكداً أنها اضطلعت بأكثر الأدوار نشاطاً.

جنود المارينز

وعلاوة على إثارته عاصفة من ردود الفعل المستنكرة والغاضبة بسبب دعوته أنصاره للتصويت مرتين، احتدمت الحملة الانتخابية الخميس الماضي مع تقرير لمجلة "ذي اتلانتيك"، ذكر أن ترامب وصف جنود المارينز الذين سقطوا في الحرب العالمية الأولى بأنهم "فاشلون" و"حمقى".

ونقلت المجلة عن أربعة مصادر مطلعة، أن ترامب، خلال زيارته لفرنسا في نوفمبر بمناسبة مئوية الحرب العالمية الأولى، لم يتوجه إلى المقبرة الأميركية في ايسن مارن قرب باريس، بسبب رداءة الطقس الذي حال دون إقلاع مروحيته، كما أعلن رسمياً.

وبعد تفجر الجدل، سارع ترامب للدفاع عن نفسه بوابل من التغريدات. وكتب: "ذي اتلانتيك تحتضر مثل معظم المجلات، لذا يختلقون قصة مزورة من أجل كسب بعض الاهتمام". وزاد من هجومه على التقرير الذي وصفه بـ "الشائن" خلال تصريحات بالبيت الأبيض.

وشنّ أنصار ترامب هجوماً معاكساً، وأغرقوا وسائل التواصل بصور له برفقة جنود أميركيين، لكنّ آخرين سارعوا إلى نشر تصريحات من حملة 2016، عندما سخر من السناتور الراحل جون ماكين الذي كان أسير حرب لسنوات في فيتنام.

وفي تصريحات نادرة، رفضت زوجته ميلانيا الاتهامات، معتبرة أنها "غير صحيحة". وكتبت في تغريدة: "أصبح الزمن خطيرا للغاية عندما يتم تصديق مصادر مجهولة دون غيرها، ولا أحد يعرف دوافعها. هذه ليست صحافة بل انحياز. ولا تخدم شعب أمتنا العظيمة".

وأكد وزير الدفاع مارك إسبر أن ترامب يحترم الجنود والمحاربين القدامى ومعجب بهم، مضيفاً أن "هذا هو السبب، أنه قاتل من أجل زيادة الرواتب وتمويل أكثر لقواتنا المسلحة".

نجل بايدن

وفي المقابل، أثار تقرير المجلة غضب بايدن، الذي قدم نفسه خلال زيارته لكينوشا على أنه موحد أميركا في مواجهة العنصرية. وقال تعليقاً على المقالة: "الأمر مؤسف، ومثير للاشمئزاز، ومخالف تماماً للمفاهيم الأميركية"، مضيفا أنه يعتقد أن التصريحات نقلت بدقة.

وأضاف بايدن: "من يظن نفسه؟". وانتقل للحديث عن ابنه بو، الذي خدم في الجيش الأميركي قبل أن يصبح لاحقاً مدعياً عاماً لديلاوير وتوفي بالسرطان عام 2015. وقال بايدن أن بو "عندما ذهب إلى العراق لسنة، وحاز نجمة برونزية وأوسمة أخرى، لم يكن أحمق".

ورد ترامب في وقت لاحق من البيت الأبيض متهماً الصحافيين بالتساهل مع منافسه. وقال: "أنظر إلى مستوى الأسئلة التي تطرحونها، صدقاً الأمر مخز، وإنها توجه للأطفال".

مكافحة العنصرية

إلى ذلك، أمر ترامب بوضع حد لدورات لتدريب الموظفين على محاربة العنصرية، تنظمها وكالات فدرالية، معتبراً أنها تشكل "دعاية تؤدي إلى الانقسام ومخالفة لمفاهيم أميركا".

ويأتي الأمر الرئاسي في وقت يسعى ترامب لجذب قاعدته الانتخابية من العمال البيض، لحسم معركة شاقة وسط انقسام في الرأي العام الوطني بشأن معاملة المواطنين الملونين، وخصوصاً من جانب الشرطة، ولكن أيضا في مجالات أخرى.

وفي خطوة تعزز رسالته كمرشح "القانون والنظام"، تلقى ترامب تأييد أكبر اتحاد للشرطة، الذي يضم 355 ألف عضو. وقال رئيس الاتحاد باتريك يويس، في بيان، "فخور بتأييد مرشح يدعو إلى (فرض) القانون والنظام في مختلف أنحاء بلادنا".

في المقابل، أيّد نحو 200 من مسؤولي إنفاذ القانون الحاليين والسابقين بايدن. وقال قائد الشرطة السابق في مقاطعة مونتجمري بولاية ماريلاند توم مانجر، في بيان وزعته حملة بايدن، "لقد ندد بالعنف بجميع صوره، ولا شك في أنني سأشعر بالأمان مع جو بايدن".

وفي أحدث انقسام، دفع شخصان أحدهما ناشط من اليمين المتشدد، والآخر عضو في حركة "أنتيفا" اليسارية المتطرفة، حياتهما ثمناً لموقفيهما من التظاهرات المنددة بالعنصرية في مدينة بورتلاند بولاية اوريغون وفي ولاية واشنطن المجاورة.