يصف المترجم بدر ناصر المطيري هذا الكتاب الصادر في عام 1999م، وهو من منشورات الأكاديمية البريطانية ومطابع جامعة إكسفورد، بأنه يتمتع بأعلى درجات المهنية والحرفية العلمية في التأريخ لحقبة الشيخ عبدالله السالم؛ مما يؤهله لأن يكون مرجعا رئيسا لها يتم تدريسه في الدوائر الأكاديمية والعامة.

ويذكر أن شيئا من مشاعر الفرحة والسرور بالكتاب وجودا وموضوعا ومنهجا خالط مشاعر الحزن والغضب في آن لإهمال الكويت هذا الأثر العلمي الكبير، وعدم ترجمته وإتاحة فرصة الاطلاع عليه للقارئ الكويتي والخليجي والعربي.

Ad

ويركز الكتاب على العلاقات بين الكويت وبريطانيا ودور النفط والمؤثرات الخارجية عليهما، ويبدأها المؤلف بمقدمة مطولة توازي فصلا كاملا، تناول فيها بالشرح أوضاع الكويت منذ تولي الشيخ مبارك الصباح زمام الحكم فيها عام 1896م، مع تركيز وتفصيل لمجريات الأحداث في حقبة حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح (1921- 1950م) لا سيما أحداث نشأة ونهاية المجلس التشريعي عامي 1938و1939م، وتتوالى فصول الكتاب الستة متناولة بتسلسل زمني مجريات الأحداث في الكويت خلال عهد حكم الشيخ عبدالله السالم الممتد من 1950 حتى 1965م.

الكتاب غني بالمراجع التي يستند إليها في معلوماته، مما يثريه ويقوي صدق هذه المعلومات، وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثانية:

في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، واجهت السياسة التقليدية لبريطانيا القاضية باحترام استقلال الكويت تحديا يتعلق بشؤونها الداخلية، تمثل في النمو الحاد لعوائد النفط التي لم تهدد بتقويض التوازن الداخلي للإمارة فقط، بل تسببت أيضا في الإضرار ببريطانيا ومنطقة الإسترليني، وكان رد فعل بريطانيا لمواجهة هذا التحدي المزدوج هو زيادة الضغط لتعيين موظفين بريطانيين ضمن حكومة الكويت، ورغم نجاح بريطانيا في ضمان تعيين (خبراء) فإنها سرعان ما اكتشفت أن هؤلاء لم يقدموا علاجا شافيا للمشاكل التي تواجه الكويت، فقد اعتمدت بريطانيا على وسائل غير رسمية للتأثير على الأمير في المفاوضات حول مراجعة امتياز شركة نفط الكويت في عام 1951م.

تعيين مستشار بريطاني

مع تصاعد حدة المعارضة للأمير الشيخ أحمد الجابر، والتي أدت إلى تأسيس المجلس التشريعي في يونيو 1938م، اقترح الشيخ عبدالله السالم تعيين مستشار بريطاني في منصب يماثل ما يشغله تشارلز بلغريف في البحرين والذي كان يتمتع بصلاحيات واسعة منذ تعيينه في حكومتها في عام 1926م.

وفي معرض تحليل أسباب هذا التبني المفاجئ لفكرة تعيين المستشار رجح الوكيل السياسي البريطاني جي إس ديغوري احتمال أن "الشيخ عبدالله السالم ربما كان يدرك أن الغليان الحالي قد يتسع ليصبح موجها ضد الأسرة الحاكمة بأكملها، لا ضد الشيخ أحمد الجابر فقط، ونظرا لمعرفته بأننا في البحرين قد أيدنا الأسرة الحاكمة فإنه يرى أن ذلك الشكل من الحكم يعتبر مناسبا".

وبحلول أغسطس 1938م أعرب الشيخ أحمد الجابر عن استعداده لقبول تعيين مستشار بريطاني، رغم أنه من الواضح أن هذا الموقف كان يمثل مجرد محاولة لضمان تأييد البريطانيين له في معاركه مع المجلس.

وقد لاحظ ديغوري ذلك بقوله: "يبدو لي أن من كان مغلوبا سياسيا هنا في هذا الوقت سوف يؤيد تعيين مستشار بريطاني، فمنذ فترة ليست بالبعيدة قام الأعضاء الحاليون في المجلس بإرسال رسائل لي يقولون فيها إنهم يحتاجون مستشارا لضبط تصرفات الشيخ أحمد الجابر، والآن بعد أن تولوا السلطة لا أعتقد أنهم يقبلون بوجود المستشار ولو للحظة واحدة".

وقد أكد هذا الانطباع المقيم السياسي سي جي برايور، الذي كتب ما نصه: "لقد تبين لي حتى الآن أنه لا الشيخ أحمد ولا المجلس كانوا يحبذون فعلا هذا المقترح بل هم يلعبون فقط بهذه الورقة أملا في الحد من سلطات الطرف الآخر عندما تأفل نجومهم مؤقتا".

وأعرب رئيس مكتب الشرق الأوسط في القاهرة جون تراوتبيك أيضا عن قلقه من تعيين مستشار بقوله: "إن كل جهودنا في إمبراطوريتنا منصبة وموجهة نحو إعطاء السكان المحليين مزيدا من الاستقلال، ولا يمكنني أن أفهم كيف يمكننا أن نتحرك بنجاح في اتجاه معاكس في العالم العربي، ومهما كانت مشاعر شيخ أو شيخين ممن لا وزن لهم ولا اعتبار، فإن الطموح للاستقلال عن الحكم الغربي سينمو بالتأكيد حتى في هذه البلدان العربية الصغيرة في الخليج".

واستمر أمير الكويت في مقاومة الضغوط لتعيين مستشار لديه، مبررا ذلك بعدم ملاءمة هذا التعيين لاعتبارات داخلية وخارجية، ومع استعداد البريطانيين لقبول وتفهم هواجس الأمير لصدقها، إلا أنهم كانوا يخشون أن "من المحتمل أن يزيد النقد بدلا من أن ينقص كلما تأخرنا في اتخاذ القرار"، إلا أن الشيخ أحمد طلب بشكل غير متوقع في شهر أبريل 1949م من ممثله في لندن السيد هـ ت كمب استقدام طبيب بريطاني ليعمل مسؤولا صحيا في الكويت، وقال هاي معلقا على ذلك: "إن هذا الموضوع له بعض الارتباط بمسألة تعيين المستشارين البريطانيين للكويت برمتها ويبدو كأننا نستطيع أن نجد لهم طبيبا ناجحا بسهولة، لذا فإن من المحتمل أن يلجأ الشيخ إلينا أيضا لمساعدته في تسيير دوائره الحكومية الأخرى".

وتعاقد كمب مع الدكتور إباري بالإضافة إلى اختصاصي تخدير ومسؤولة تمريض بريطانيين بالنيابة عن الأمير، وفي يونيو 1949م طلب الشيخ أحمد أيضا من كمب أن يوظف ثلاثة ضباط شرطة بريطانيين للمساعدة في التعامل مع الموظفين البريطانيين والأميركيين العاملين في شركات النفط في الأحمدي، وظل موقف الشيخ أحمد غامضا في مسألة تعيين مستشار مالي لديه؛ مما اضطر البريطانيين للاعتماد وبشكل متزايد على تقديم المشورة عبر القنوات التقليدية وأبرزها عبر وكيلهم السياسي.

تنافس عبدالله المبارك وعبدالله السالم على الإمارة
مع تدهور حالة الشيخ أحمد الجابر الصحية، بدأ البريطانيون بالتفكير بشأن من يخلفه، وكان الشيخ عبدالله السالم يعتبر بشكل عام وليا للعهد؛ فقد أشار لنفسه، في حديث معه، بأنه مثل «أمير ويلز» (ولي عهد بريطانيا)، وكان الشيخ عبدالله المبارك، عم الشيخ عبدالله السالم الذي يتمتع بهيبة كبيرة كونه آخر الأبناء الأحياء للشيخ مبارك الكبير هو منافسه الرئيس على منصب الأمير.

وتوقع هاي، في معرض تقييم حظوظ المرشحين المتنافسين، أن «عبدالله السالم ربما يكون أميرا أفضل، لكن من المحتمل أن يكون عبدالله المبارك أكثر صداقة لنا»، ومع ذلك شعر هاي أن احتمال حدوث انتقال سلمي للحكم لا نزاع فيه هو احتمال ليس قويا جدا، وكان جاكنز، الذي أصبح وكيلا سياسيا في الكويت في نهاية 1949م، متشائما بالقدر نفسه، وكان يتوقع أن يحاول الشيخ عبدالله المبارك الاستيلاء على الحكم، وعلاوة على ذلك، فإن حظوظ الشيخ عبدالله السالم في تولي الإمارة بدت مهددة لكونه كان غائبا عن الإمارة عند وفاة الشيخ أحمد الجابر، ومع ذلك فقد أخبر الشيخ عبدالله السالم المقيم السياسي البريطاني هاي قبل فترة وجيزة من وفاة الشيخ أحمد أن أعضاء أسرة آل صباح كافة مجمعون على اعتباره الأمير التالي، وقد أثبت الواقع سريعا أن ثقة الشيخ عبدالله السالم كانت في محلها، فبعد عودته إلى الكويت في 31 يناير 1950م، أجمعت أسرة آل صباح على اختياره ومبايعته أميرا للكويت، ومع تولي الأمير الجديد مقاليد الحكم، جدد البريطانيون مساعيهم لضمان تعيين مستشار بريطاني في الكويت.

واقترح جاكنز، حتى قبل وفاة الشيخ أحمد الجابر، ربط اعتراف بريطانيا بمن يخلفه أميرا بشرط القبول بتعيين مستشار بريطاني، بل ذهب جاكنز إلى حد اقتراح أنه في حالة موافقة عبدالله المبارك على قبول تعيين مستشار، فإن على بريطانيا أن تكون مستعدة لقبوله كأمير للكويت.

وفي بداية فبراير 1950م ضغط جاكنز على الشيخ عبدالله السالم لقبول تعيين مستشار مالي لديه، مشيرا إلى أنه سيكون من غير المناسب له أن يستمر في رئاسته لدائرة المالية الآن وقد أصبح أميرا، واقترح جاكنز أيضا تغيير مسمى «المستشار» إن كان ذلك غير مقبول واستبداله بمسمى «خبير»، وكان الجواب الوحيد للشيخ عبدالله السالم على هذه المطالبات بأن وعد بالتشاور مع أعضاء أسرته حولها.

تأخر الاعتراف بحكم عبدالله السالم

كانت هناك حالة من الترقب والقلق في الكويت بسبب تأخر بريطانيا في الاعتراف بتولي الشيخ عبدالله السالم الحكم، مما حدا بوزارة الخارجية للموافقة بتردد، على الكف عن ربط الاعتراف بشيخته بمسألة تعيين مستشار، وكانت وزارة الخارجية حريصة على أن يتسلم الشيخ عبدالله السالم، على الأقل، تعبيرا رسميا يؤكد الأهمية الكبرى التي توليها الحكومة البريطانية لهذه المسألة، ولذلك تم إرفاق مذكرة برسالة الاعتراف من جاكنز عبرت عن أمل الحكومة البريطانية أن يقوم الأمير بتعيين خبراء بريطانيين ذوي تأهيل مناسب لديه.

وقد أكد الشيخ عبدالله السالم في جوابه على "الخطوات التقدمية الكبيرة" التي قامت بها الكويت في السنوات الخمس الماضية، لكنه لم يقدم التزاما رسميا بقبول النصيحة البريطانية، وفي سياق نقاشاته مع هاي ذكر الشيخ عبدالله بأنه سيكون عرضة لنقد حاد من العراق ومن غيره إذا ما وافق مباشرة بعد توليه مقاليد الحكم على ذلك الطلب الذي رفضه سلفه طوال تلك الفترة؛ وطلب إمهاله فترة ستة أو سبعة أشهر للتفكير.

وعمل الشيخ عبدالله السالم في الشهور الأولى التي تلت توليه مقاليد الإمارة على تعزيز شعبيته لدى أسرة آل صباح، وكان أحد أول أعماله بعد استلامه الحكم هو تسديد كل الديون المستحقة على أفراد الأسرة، وفي معرض تقييم هاي لأداء الشيخ في الأسابيع الأولى من المنصب، كتب أنه يحظى بشعبية لدى الأسرة والشعب، وأنه "حريص حقيقة على صداقة الحكومة البريطانية وتأييدها"، ولاحظ هاي أن الشيخ عبدالله سينفذ الإصلاحات ببطء وسيبذل قصارى جهده ليضمن تجاوب شعبه معه.

الاستعانة بخبراء

وفي منتصف أكتوبر 1950م طلب الأمير من ممثله السيد كمب الاستعانة بخدمات خبيرين بريطانيين للعمل في الكويت واحد لدائرة المالية والآخر لدائرة الجمارك؛ ومن الصعب تحديد السبب الذي أقنع الشيخ عبدالله السالم أخيرا بتعيين موظفين بريطانيين، ولم يكن قراره بقبول مستشارين بريطانيين ناجما عن رغبته في استخدامهم لضبط أسرته، بل إن تبني مثل هذه السياسة سيشكل خطرا عليه، ويبدو أن الاحتمال الأقرب هو أن الشيخ عبدالله قد وافق على تعيين المستشارين اعتقادا منه أن وجودهم ضروري لتطوير البلد الذي يشهد تدفقا هائلا لعوائد النفط بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

اختار كمب العقيد جي سي ل كرتشتون ليكون "خبيرا ماليا" لدى الأمير، وقد سبق لكرتشتون أن شغل منصب وزير في حكومة الهند في وزارة الخارجية، وعلى الرغم من أنه لم يكن يعرف اللغة العربية، فإن وزارة الخارجية رحبت بالتعيين لأنها تعتبر أن لديه "سمعة" مناسبة لشغل هذا المنصب، وكان منصب "خبير الجمارك" من نصيب هـ ل روبر الذي عمل سابقا مديرا للجمارك في السودان بين عامي 1943 و1949م، وكان روبر عكس كرتشتون يتحدث العربية، وقد تسلم كلا المستشارين منصبيهما الجديدين في بداية عام 1951م. كان تقديم تقرير إلى الأمير حول الإدارة المالية للكويت أحد أول الأعمال التي قام بها كرتشتون بعد توليه منصبه، وقد بدأ كرتشتون تقريره بالتأكيد على: "أن النظام الحالي للإدارة المالية، رغم ملاءمته في أوقات ماضية، فإنه غير مناسب الآن بتاتا للتعامل مع الموارد المالية الضخمة للدولة".

وواصل تقريره مسجلا ملاحظة بأن دائرة المالية لم يكن من مسؤولياتها توزيع الإيرادات على سائر الدوائر الحكومية، كما أنها لا وسائل لديها للإشراف والرقابة على مصروفات هذه الدوائر، ولاحظ كرتشتون أن دائرة المالية أصبحت "خادمة للدوائر الأخرى ولم تكن الجهة المسيطرة عليها كما يجب أن يكون عليه الحال"، ودعا كرتشتون لعلاج هذا الوضع عبر إسناد مسؤولية إدارة وتوزيع موارد الدولة لدائرة المالية، وحث على وجوب اتخاذ خطوات لتنسيق عمليات التخطيط والتنفيذ لمشاريع التنمية، مقترحا توظيف خبير هندسي للقيام بهذه المهمة، وحذر كرتشتون أنه "ما لم يتم ذلك فلن يكون من الممكن تقدير وضبط المصروفات".

كانت الأشهر القليلة الأولى التي مضت على وجود كرتشتون في منصبه كفيلة بالإطاحة بطموحاته الأولى، وبلغت خيبة أمله درجة التحدث عن رغبته في الاستقالة، ولم يثنه عنها إلا تدخل كمب، وكان رد فعل جاكنز على هذه الأنباء لا يتسم بالابتهاج، وكانت التوصية الرئيسة التي قدمها كرتشتون للتغلب على المشاكل الأولى التي واجهها هو الدعوة لتأسيس هيئة للتنمية تشرف على كل مصروفات الحكومة، ووافق الأمير من حيث المبدأ، على تأسيس هيئة للتنمية يرأسها كرتشتون للإشراف على مصروفات الحكومة.

وكانت وزارة الخارجية البريطانية حريصة على أن يتولى الشيخ عبدالله المبارك رئاسة الهيئة، حيث جاء على لسان أحد مسؤوليها، أنه: "سيكون من الخطأ التعرض لخطر معارضة شخص له مثل هذا النفوذ عبر إبقائه خارج التشكيل، خصوصا إذا ما كان من الممكن توسعة قاعدة عمل الهيئة كما زلنا نأمل، ويبدو لنا أيضا أنه بالنظر إلى احتمالية أن يخلف عبدالله المبارك الأمير الحالي، فإن ذلك قد يعرض مستقبل أي هيئة أو مجلس عام يتم تشكيله للخطر إذا تم استبعاده الآن من عضويتها".

وكانت الخارجية البريطانية لا تأمل أن تصبح هيئة التنمية التي اقترحها كرتشتون جهازا قويا، يرأسها شيخ قيادي فقط، بل أن تصبح قابلة للتطور لتشكل نواة مجلس تنفيذي أو مجلس وزراء، وقدرت الخارجية أن حجم المبالغ المدفوعة للكويت نظير حقوق امتياز النفط خلال الفترة بين عام 1945م و1950م قد ارتفع من لا شيء فعليا لتصل إلى 3.5 ملايين جنيه إسترليني سنويا.

زيادة رسوم امتياز النفط

وحرص البريطانيون خلال المفاوضات التي جرت في عام 1951 بين شركة نفط الكويت والشيخ عبدالله السالم حول زيادة رسوم امتياز النفط على تشجيع الوصول لاتفاقية لا تضر منطقة الاسترليني، وكان ذلك الأمر مهما خصوصا في سياق الضغوط التي تعرض لها الجنيه الاسترليني في عام 1950-1951م بسبب نهاية معونة مارشال المقدمة لبريطانيا من الولايات المتحدة الأميركية واندلاع الحرب الكورية.

ووافقت شركة نفط الكويت بموجب اتفاقية امتياز النفط لعام 1934م على سداد دفعة أولى بلغت 475000 روبية ودفع إيجار سنوي قدره 95000 روبية وحقوق ملكية قدرها ثلاث روبيات عن كل طن من النفط، وهو سعر أقل بكثير مما تتقاضاه حكومات كل من إيران والعراق والسعودية، وطلب الشيخ عبدالله السالم من شركة نفط الكويت، في شهر يوليو 1950م، زيادة حقوق الملكية التي تدفع له، وقد تداخل الطلب مع خلاف منفصل حول شمول جزر كبر وقاروه وأم المرادم ضمن اتفاقية امتياز النفط.

وإضافة إلى ذلك، فقد أدت التطورات التي جدت في السعودية في المجال النفطي دورا محفزا في تسوية مسألة الحقوق المالية لامتياز النفط في الكويت، فوقعت الحكومة السعودية في ديسمبر 1950م، على اتفاقية لتقاسم الأرباح مناصفة مع شركة النفط العربية الأميركية، وهي معادلة تسعير كان كل منتجي النفط في الشرق الأوسط يطمحون إليها.

وأدى إلغاء الحكومة الإيرانية امتياز النفط في مارس 1951 إلى أن تعاني الشركة نقصا في الإمدادات النفطية وتبع ذلك زيادة في اعتمادها على المنتجين الآخرين للنفط، وبحلول 13 أغسطس تم التوصل إلى اتفاق على اعتماد مبدأ تقاسم الأرباح مناصفة، وتم توقيع الاتفاقية بصيغتها النهائية في 3 فبراير 1952م، وطلب الشيخ عبدالله السالم في أبريل 1951م من شركة نفط الكويت زيادة في رسوم النفط للمرة الثانية، ووافقت الشركة من حيث المبدأ على معادلة مشاركة الأرباح مناصفة اعتبارا من شهر يوليو، فأثار احتمال الارتفاع الحاد في ثروة الكويت النفطية بعض اللغط في "الوايتهول" (مقر رئاسة الحكومة البريطانية في لندن).

عبد الله السالم يتقاسم الأرباح مع «نفط الكويت»

على الرغم من المصاعب وسوء الفهم الظاهرين اللذين ميزا المحادثات بين شركة نفط الكويت والأمير عبدالله السالم، فقد تم إنجاز اتفاقية الامتياز الجديدة وإعدادها للتوقيع في نهاية نوفمبر 1951، وسيتم بموجب هذه الاتقاقية تقاسم الأرباح بالتساوي بين الشركة والأمير، ويكون نصيب الأمير من حقوق ملكية بالسعر الذي نصت عليه اتفاقية امتياز النفط لعام 1934م، وضريبة دخل محلية.

أما بالنسبة إلى جزر كبر وقاروه وأم المرادم المتنازع عليها فقد كانت شركة نفط الكويت مستعدة للوصول إلى حل توافقي لضمان تحقيق تسوية أشمل، وتم تفويض ساوثويل في 9 نوفمبر 1951م بالتخلي عن مطالب الشركة بحق الامتياز للتنقيب في الجزر الثلاث، وهو قرار تم تضمينه في اتفاقية الامتياز الجديدة.

لقد ارتاح البريطانيون كثيرا من موافقة الأمير على تلقي دفعاته المالية كلها من شركة نفط الكويت بالجنيه الاسترليني بعد تأكيدات بأن بريطانيا تعترف بحقه في تحويل الجنيه إلى الروبية لأي مبلغ مطلوب للاحتياجات الجارية، وأن بريطانيا ملتزمة بتوفير مبالغ بالدولار لسداد ثمن أي مستلزمات ضرورية للدولة وغير متوافرة بالاسترليني، كما وعد البريطانيون بألا يطلبوا سداد المدفوعات المالية للأمير من شركة النفط الأميركية المستقلة بالدولار إلى الاحتياطيات المركزية في لندن، وألا يقترحوا عليه وجوب استخدامها لتغطية نفقاته بالدولار على مشاريع التنمية.

وبعد أن حصل البريطانيون على موافقة الأمير على استلام المدفوعات له بالإسترليني، واجهتهم مشكلة حول ضمان أن يوظف إيراداته بطرق لا تضر منطقة الإسترليني.

الخارجية البريطانية تصوغ اتفاقية امتياز النفط

كانت وزارة الخارجية حريصة على صياغة اتفاقية الامتياز الجديدة المزمع إبرامها مع أمير الكويت لتضمن سداد المبالغ بالجنيه الإسترليني بالكامل، وعلى الرغم من أن الأمير قد وافق بسرعة على استلام المبالغ بالجنيه الإسترليني من الشركة الإنكليزية الإيرانية، فإنه طلب السداد بالدولار الأميركي من شركة نفط الخليج، وهي الشريك الأميركي في شركة نفط الكويت.

كان الأمير يتلقى فعلا مبالغ بالدولار من شركة النفط الأميركية المستقلة، والتي كانت تملك الامتياز النفطي في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت منذ عام 1948م، وعلى العكس من الإجراء المعتاد في منطقة الإسترليني، فإن الأمير لم يودع هذه الإيرادات بالدولار في لندن، التي كانت مستعدة للتغاضي عن شروط امتياز شركة النفط الأميركية المستقلة لأن الدفعة السنوية كانت تبلغ 625000 دولار أميركي فقط، لكن المبالغ المترتبة على شركة نفط الكويت كانت كبيرة لدرجة وصفتها وزارة الخارجية «بأن الإخلال الإضافي المقترح في أداء منطقة الاسترليني سوف ينجم عنه صعوبة وإحراج كبيران للمملكة المتحدة، وسيمثل ذلك سابقة من شأنها أن تعرض الأساس الكلي لمنطقة الاسترليني ذاتها للخطر وهو أمر ذو أهمية حيوية للمملكة المتحدة ومنطقة الكومنولث»، وجرت النقاشات النهائية بين الشيخ عبدالله السالم وشركة نفط الكويت حول اتفاقية الامتياز الجديدة في الكويت في شهر نوفمبر.