قد يشير مصطلح "الفساد" إلى معانٍ مختلفة، إذ تُستعمَل هذه الكلمة لوصف خيانة ثقة الرأي العام لتحقيق مكاسب شخصية، لكن من الناحية اللغوية، يرتبط هذا المفهوم أيضاً بمعاني التلوث والانحطاط والنجاسة، وعلى مر التاريخ الأميركي كان الأميركيون يلصقون تهمة الفساد بكل من يُضعِف النظام القائم على أساس العرق أو الجنس، لا حكم القانون. وفي معظم فترات القرن العشرين، كان عصر إعادة الإعمار، حيث اكتسب سكان الجنوب السود درجة من التمثيل السياسي، مرادفاً للفساد أيضاً بعدما حُرِم المواطنون السود سابقاً من حقوقهم السياسية وحريتهم الاقتصادية وأملاكهم وأراضيهم، وقد ربط عدد كبير من الأميركيين البيض بين تلك الحقبة والفساد لأنها أعاقت هيمنة البيض التي يعتبرونها أساسية للحفاظ على شرعية الحُكم.
لا يزال ذلك التعريف العرقي للفساد قائماً اليوم، ويكفي أن نفكر بعهد باراك أوباما الرئاسي، الذي يعتبر مناصروه عهده خالياً من الفضائح، لكن بنظر شريحة واسعة من الجمهوريين، كان أوباما رمزاً للفساد. اعتباراً من عام 2017، عبّر معظم الجمهوريين في استطلاعات الرأي عن اقتناعهم بولادة أوباما خارج الولايات المتحدة، مما يعني أنه انتهك أحكام الدستور من خلال تولي منصب الرئاسة، واستعمل دونالد ترامب نظرية المؤامرة هذه لإطلاق مسيرته المهنية السياسية، ولا عجب أن يهاجم خصمه على خلفية "فضيحة أوباما" الوهمية التي أراد وضعها بمصاف فضيحة "ووترغيت"، واعتبر إدارة أوباما "الأكثر فساداً في التاريخ". كذلك، كانت تهمة الفساد جزءاً محورياً من حملة ترامب الانتخابية في عام 2016 ضد "هيلاري المخادعة" وأثبتت هذه المقاربة فاعليتها، فوفق استطلاع أجراه معهد "مورنينغ كونسالت" في يونيو 2016، يتعلق أول سبب لكره الأميركيين لهيلاري باعتبارها "غير جديرة بالثقة"، أما السبب الثاني، فهو "فسادها"، لكن بحسب موقع "بوليتي فاكت" الذي يُقيّم مدى صدق تصريحات السياسيين، كانت هيلاري كلينتون "صادقة عموماً" أكثر من ترامب بأربع مرات تقريباً، لكن على غرار أوباما، حاولت كلينتون بلوغ منصبٍ لطالما شغله رجال بيض في السابق، مما يعني أنها طرحت تهديداً على واحد من أقدس التسلسلات الهرمية في الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، اكتشف الباحثان تايلر أوكيموتو وفيكتوريا بريسكول من جامعة "يال"، في دراسة من عام 2010، أن النساء في معترك السياسة يُنتِجْنَ في معظم الحالات "مشاعر من السخط الأخلاقي" (ازدراء، غضب، نفور) حين يحاولن اكتساب النفوذ. بعبارة أخرى، اعتبر عدد كبير من الأميركيين مساعي كلينتون لبلوغ السلطة فاسدة في جوهرها.يكتب الفيلسوف جايسون ستانلي من جامعة "يال" في كتابه How Fascism Works (طريقة عمل الفاشية) أن "الفساد برأي السياسي الفاشي يتعلق فعلياً بتلاشي النقاء، لا فساد القانون. رسمياً، تبدو المواقف التي يطلقها السياسي الفاشي لشجب الفساد أشبه باستنكار للفساد السياسي. لكن يُستعمَل هذا الخطاب عملياً للدلالة على نسف النظام التقليدي". عند الدفاع عن "القيم الجمهورية" مثلاً، لا يمكن اتهام الرئيس بالفساد حتى لو كان يستعمل موظفي الحكومة وأملاكها لتحقيق غاياته السياسية، وحتى لو أُدين عدد من مساعديه وأقرب شركائه بالجرائم، وحتى لو سدّد دافعو الضرائب 900 ألف دولار لشركاته خلال عهده الرئاسي.في عام 2016، حين واجه ترامب امرأة مرشّحة لتكون خليفة رئيسٍ أسود، ساعده مفهومه الفاشي عن الفساد على الفوز في الانتخابات، لكن حتى الآن، لا تبدو هذه المقاربة فاعلة بالقدر نفسه ضد جو بايدن لأن هذا المرشح، وفق جميع معايير ترامب ومعظم مناصريه، يُعتبر أقل فساداً من غيره لمجرّد أنه رجل أبيض وقد لا يشكّل عهده الرئاسي المحتمل مؤشراً على "نسف النظام التقليدي"، ومن الطبيعي إذاً ألا ينتشر شعار "جو الفاسد" على نطاق واسع حتى اليوم.* «بيتر بينارت »
مقالات
ترامب يحمل تعريفاً مختلفاً للفساد
08-09-2020