رهان بافيت الجديد... لمَ تحولت بوصلة «حكيم أوماها» نحو اليابان؟
فاجأ وارن بافيت المستثمرين حول العالم بإعلان شراء حصة تتجاوز قليلاً 5 في المئة في أكبر خمس شركات تجارية متعددة الأنشطة في اليابان بقيمة تقارب ستة مليارات دولار.اتجاه بافيت المفاجئ إلى اليابان وشركات التجارة بصفة خاصة أثار تعجب كثير من المستثمرين، لكن الرجل الذي أتم أخيراً 90 عاماً ربما يمتلك أسباباً كثيرة لهذا القرار الجدلي.
مرحباً بكم في «سوجو شوشا»
- ذكرت «بيركشاير هاثاواي» التي أسسها ويديرها «بافيت» عبر إفصاح تنظيمي لبورصة طوكيو أنها اشترت حصصاً في شركات «إيتوشو كورب» و«ماروبيني كورب» و«ميتسوبيشي كورب» و«ميتسيو آند كو» و«سوميتومو كورب» على مدار فترة 12 شهراً.- تعتبر هذه الشركات الخمس ضمن الأكبر في قائمة كيانات يطلق عليها «سوجو شوشا»، وهي تكتلات تجارية متعددة الأنشطة تعمل في عدد واسع من القطاعات وتستثمر في الكثير من الدول عبر كيانات فرعية تابعة.- اشتهرت مراكز التجارة العامة بتزويد اليابان بمعظم الواردات من الخارج بداية من الطاقة والمعادن إلى الحبوب والمنسوجات وغيرها.- تعمل هذه الشركات في عدد كبير من الأنشطة والتي تتنوع من الغذاء والملابس والفحم والنفط إلى التطبيقات التكنولوجية والسيارات والتمويل والوساطة والمعدات الطبية وحتى الفضاء.- تمتلك هذه المؤسسات التجارية اليابانية أكثر من 400 ألف وحدة أعمال تابعة في ما يزيد على 70 دولة حول العالم.- تتراوح القيمة السوقية لهذه الشركات الخمس بين 10 و42 مليار دولار، مع إيرادات سنوية بين 48 و136 ملياراً.- تراجعت تقييمات الكيانات اليابانية الخمسة بقوة في السنوات الأخيرة مع التراجع في أسعار السلع الأساسية وخاصة الطاقة، كما أن متوسط أسعار أسهمها يظل 7 في المئة أدنى المستوى المسجل في بداية هذا العام.- سجلت أسهم هذه الشركات الخمس صعوداً ملحوظاً في نفس يوم إعلان «بيركشاير هاثاواي» خبر الاستثمار فيها، حيث صعد سهما «ماروبيني» و«سوميتومو» بنحو 9 في المئة لكل منهما وزاد «ميتسوبيشي» و«ميتسيو» بأكثر من 7 في المئة، بينما ارتفع «إيتوشو» بحوالي 4.2 في المئة.لمَ فعلها «بافيت»؟
اتخذ «بافيت» توجهاً حذراً فيما يخص استثماراته منذ ظهور وباء «كوفيد- 19»، إذ قام بعدد قليل من الاستحواذات المنتقاة في الأشهر الماضية.لكن برز أخيراً اتجاه «حكيم أوماها» نحو السلع الأساسية عبر صفقة استحواذ على أصول الغاز الطبيعي لشركة «دومينيون إنيرجي» مقابل 4 مليارات دولار في شهر يوليو الماضي، وإعلانه شراء 21 مليون سهم تقريباً في «باريك غولد» العاملة في مجال التنقيب عن الذهب خلال الربع الثاني من العام الحالي بقيمة 563 مليون دولار. ومن المعروف أن معظم محفظة استثمارات «بيركشاير هاثاواي» تتركز في الولايات المتحدة، ما يجعلها أقل تنوعاً وأكثر تعرضاً للتقلبات المحتملة في الاقتصاد الأميركي الذي يعاني بالفعل هبوطاً حاداً للنشاط جراء ضربة «كورونا»، بالإضافة إلى ارتفاع تقييمات السوق.بالتالي، يشكل استثمار «بافيت» في مراكز التجارة اليابانية الخمسة توجهاً للابتعاد قليلاً عن السوق الأميركي ومحاولة لتنويع استثماراته في بقاع أخرى حول العالم.ومع ذلك، أثار التوجه إلى اليابان بشكل خاص علامات استفهام كبيرة في الأسواق، بالنظر إلى أن ثاني أكبر اقتصاد آسيوي يعاني أيضاً من انكماش اقتصادي وركود طويل مستمر منذ نحو 20 عاماً، إضافة إلى تخارج المستثمرين الأجانب من سوق الأسهم طوال السنوات الخمس الماضية.كما أن المراكز التجارية دائماً كانت بعيدة عن اهتمامات المستثمر الأميركي الشهير، ناهيك عن تعرضها الكبير للتقلبات الخاصة بقطاع الطاقة والموارد الأساسية.لكن ربما توضح حقيقة تراجع تقييمات هذه الشركات جزءًا من لغز استثمار بافيت، إذ إن أسهم أربع من هذه الشركات الخمس تتداول بأقل من قيمتها الدفترية، مما يعني أن القيمة السوقية لهذه الكيانات أقل من قيمة أصولها ما يجعلها بمثابة استثمار جذاب من جهة السعر.وإضافة إلى عامل السعر الجذاب، فإن هذه الكيانات تقدم توزيعات نقدية بصفة مستقرة لحاملي الأسهم، كما أن بعضها قام بزيادة قيمة التوزيعات رغم آثار وباء «كورونا».كما أن حقيقة امتلاك «بيركشاير هاثاواي» سيولة نقدية قياسية بقيمة 146.6 مليار دولار في نهاية الربع الثاني من هذا العام تقدم سبباً إضافياً لرغبة «بافيت» في استخدام هذه الأموال.ويقول بافيت في بيان إعلان الاستثمار: «الشركات التجارية الخمس الكبرى لديها العديد من المشروعات المشتركة حول العالم، نحن نرغب في الاحتفاظ بهذا الاستثمار فترة طويلة وربما زيادة حصصنا إلى 9.9 في المئة في أي من هذه المؤسسات».القواعد القديمة لا تزال فعالة
ربما يقدم خطاب وارن بافيت للمستثمرين قبل 43 عاماً فكرة أفضل عن سبب الاتجاه نحو شركات التجارة اليابانية.يقول بافيت عبر خطابه لحاملي الأسهم في عام 1977 إن شركته تختار الأوراق المالية القابلة للاستثمار بنفس الطريقة التي تقيم بها نشاطاً تجارياً من أجل الاستحواذ الكامل.وحدد المستثمر الشهير 4 شروط للدخول في أي استثمار، وهي ما يمكنها تفسير سبب التوجه إلى شركات التجارة اليابانية بعد كل هذه الأعوام:يمكن فهمه جيداً: وهنا يمكن الإشارة إلى أنه رغم اتساع وتباين نطاق عمل شركات التجارة اليابانية، فإنها تحقق معظم إيراداتها من صناعات يفهمها بافيت جيداً مثل الطاقة والسلع.يمتلك آفاقاً جيدة طويلة الأجل: تعتبر شركات التجارة اليابانية الكبرى ضمن الأقدم في العالم مع حقيقة تجاوزها حاجز المئة عام على الأقل.وبعيداً عن عامل التاريخ الممتد، فإن اتساع نطاق أعمال هذه الكيانات يمنحها أفضلية الحصول على قدر من التنوع الذي يضمن أداءً جيداً على المدى البعيد في حال تراجع الأعمال الأساسية.يديره أشخاص يتمتعون بالصدق والكفاءة: تمتلك اليابان بصفة عامة وشركات التجارة الكبرى بشكل خاص تاريخاً جيداً من المعايير التنظيمية التي توفر قدراً جيداً من المصداقية المحاسبية والقدرة على جذب الكفاءات.متوفر بأسعار مغرية: تسبب هبوط أسعار أسهم الشركات التجارية الكبرى في وقت سابق من هذا العام في تداولها أدنى القيمة الدفترية، باستثناء « إيتوشو» التي تتداول أسهمها عند 1.2 مثل القيمة الدفترية.بالتالي، فإن هذه الشركات اليابانية الخمس تمثل استثماراً يدر توزيعات أرباح مستقرة ويعمل في قطاعات واسعة ويضمن تنويعاً عبر الكثير من الدول بالإضافة إلى أنه يتداول بسعر خصم كبير، فلماذا لا يتجه «بافيت» لهذا الاستثمار؟