الصين تقمع الثقافة المنغولية
"لغة منغوليا جزء من الهوية المنغولية، ومن يفقد لغته يخسر هويته الوطنية"! إنها العبارة التي كُتِبت على لافتة احتجاجية تعارض قرار الحكومة الصينية الأخير بالحد من التعليم الثنائي اللغة في منطقة منغوليا الداخلية.بعد الحرب العالمية الثانية، ضمّت الصين الجزء الجنوبي من منغوليا إليها فنشأت منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم، ومنذ ذلك الحين عمد الحزب الشيوعي الصيني إلى استنزاف ثقافة سكان المنطقة واستقلاليتهم تدريجاً، وشجّعت بكين شعوب الهان الصينية على الانتقال إلى منغوليا الداخلية حيث يفوق عددها اليوم السكان المنغوليين بمعدل 6 مقابل 1. في شهر أغسطس الماضي أعلنت الحكومة أن الدروس باللغة المنغولية ستتراجع بدرجة كبيرة مع بدء العام الدراسي في سبتمبر، بموجب التنظيمات الجديدة، وستُعطى دروس الأدب والسياسة والتاريخ من الآن فصاعداً بلغة الماندرين الصينية، وتفيد التقارير ببدء برامج مماثلة في منطقتَي التبت وشينغيانغ إيغور حيث يسود شكل من الحكم الذاتي.لكن لا تقتصر المشكلة على اللغة، فعلى غرار جماعات عرقية أخرى، يُحرَم سكان منطقة منغوليا الداخلية أيضاً من الحرية الدينية، وفي الصين لا يُسمَح إلا باعتناق دين الرابطة البوذية الصينية التي تخضع لسيطرة قسم العمل في الجبهة المتحدة التابعة للحزب الشيوعي الصيني، لكن يتبع عدد كبير من المنغوليين البوذية الشائعة في التبت حيث يُعتبر الدالاي لاما أساس السلطة الروحية، وبالتالي لا تؤثر الضوابط الصينية ضد الديانة التبتية وقرارات منع التواصل مع الدالاي لاما أو رفض زياراته على سكان التبت فحسب، بل تنعكس على المنغوليين العرقيين أيضاً.
لم يكن مفاجئاً أن تجذب أحدث مناورة تتخذها جمهورية الصين الشعبية في منغوليا الداخلية الانتباه إلى ما وراء الحدود، حيث تقتصر دولة منغوليا الديمقراطية على 3 ملايين نسمة، في حين تشمل منطقة منغوليا الداخلية 24 مليون نسمة ويفوق عدد المنغوليين العرقيين فيها عتبة الأربعة ملايين. وعلى عكس المواطنين في الصين، يتمتع المنغوليون بحريات دينية وعرقية وثقافية ولغوية وصحافية. لمنع الأهالي المنغوليين من التواصل في ما بينهم وتنظيم أنفسهم، تمّ إغلاق منصة "باينو" المنغولية في الصين، لكن سكان منغوليا الداخلية الشجعان يتحدون الحكومة الصينية التي تُهدد المواطنين وتحذرهم من الاحتجاج على السياسة اللغوية الجديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويرسلون الفيديوهات والمنشورات إلى أصدقائهم وأقاربهم على الجانب الآخر من الحدود، حيث يعيد هؤلاء نشر المواد على مواقع ممنوعة في الصين مثل فيسبوك وتويتر. يشعر عدد كبير من المنغوليين بالسخط إزاء سوء المعاملة التي يتحملها إخوتهم داخل الصين، فقد نشرت أكاديمية منغولية صورة رجل منغولي رث المظهر وهو يبكي على حالة سكان منغوليا الداخلية. فترجمت مشاعرها بالعبارة التالية: "أشعر بالأسف على المنغوليين، يجب أن ندعم سكان منغوليا الداخلية، ولا أستطيع تمالك مشاعري، فما الذي يدفع المنغوليين إلى البكاء؟ يتعلق السبب بتعرضهم للقمع والاضطهاد على يد الحزب الشيوعي الصيني منذ سنوات". لكن رغم حملات القمع كلها، كانت منطقة منغوليا الداخلية مبهرة في قدرتها على حماية الأبجدية المنغولية التقليدية، على عكس منغوليا المستقلة التي تستعمل الكتابة الكريلية الروسية بما أنها كانت تابعة سابقاً للاتحاد السوفياتي، لكن يخشى الأهالي في منغوليا الداخلية اليوم أن تتلاشى الكتابة المنغولية القديمة نهائياً نتيجة توجيهات التعليم الجديدة التي أقرها الحزب الشيوعي الصيني.في هذا السياق، غرّد رئيس منغوليا السابق تساخيا البجدورج حديثاً: "إذا لم يحتفظ المنغولي بثقافته وتاريخه ولغته، فهو لا يعود منغولياً، يجب ألا يستمر الإذلال القائم منذ 300 سنة ضد المنغوليين في هذا القرن الجديد"! ثم تابع قائلاً: "أعرف أن زعيم الدولة المجاورة لنا جنوباً، شي جين بينغ، يحترم لغة الآخرين وثقافتهم، فلن يكون قمع اللغة والثقافة المنغولية المسار المناسب لنشوء دولة مسؤولة وعظيمة". وفي حين يتعاطف المواطن المنغولي العادي مع أزمة سكان منغوليا الداخلية، لا تستطيع الحكومة المنغولية اتخاذ قرارات كبرى احتجاجاً على ما يحصل نظراً إلى اتكال البلد القوي على جمهورية الصين الشعبية من الناحية الاقتصادية، إذ تشتري الصين أكثر من 80% من صادرات منغوليا وسبق أن أساءت إلى اقتصاد البلد في الماضي، وعندما وافقت منغوليا على استقبال الدالاي لاما في 2016، ردّت الصين عبر فرض رسوم جمركية عالية على الواردات، ونتيجةً لذلك تحوّل المنغوليون بكل بساطة إلى جماعة مُحبَطة تقف على هامش الأحداث وتشاهد عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما تفعله جمهورية الصين الشعبية لنسف بقايا الثقافة المنغولية العرقية في جنوب الحدود. * «أنطونيو غراسيفو»