فراغ
من نعم الله علينا أنه رزقنا بالديمقراطية التي أتت عن طريق حاكم سبق عصره بطريقة تفكيره، تسلم مقاليد الحكم وهو يحمل مشروع دولة ألا وهو الدستور، الذي يعتبر في حينها قفزة ديمقراطية على مستوى المنطقة التي كان يعمها الجهل والفقر آنذاك، والدستور هو الذي نظم لنا حياتنا من تاريخ تأسيسه حتى يومنا هذا، عن طريق كفالة الحقوق وتنظيم الواجبات وحفظ الحريات بقوانين تنظم لنا حياتنا من جهة، ومن جهة أخرى وضعت لنا الموازنة السياسية عن طريق البرلمان، بنظام يعطي الحق للناخب باختيار ممثلين له يشرعون القوانين ويمارسون الدور الرقابي ليحفظوا مدخرات الوطن والمواطنين.في بداية العمل البرلماني قسمت المناطق إلى عشر دوائر تضم مناطق مختلفة ذات خليط سكاني متنوع ما بين حضر وبدو، وما بين شيعة وسنّة، وهذا الخليط نتج عنه مخرجات جيدة نوعا ما، فعلى سبيل المثال في أول انتخابات برلمانية بنظام الدوائر العشر لم يكن للفزعة القبلية أو الطائفية دور! ومثال على ذلك كان خالد صالح الغنيم وفلاح الحجرف وناصر الساير رحمهم الله ينجحون في الدائرة الثالثة التي تضم مناطق مختلفة مثل الشويخ السكنية والجهراء والصليبيخات!
ويوسف المخلد وعباس مناور رحمهما الله كانا ينجحان في الدائرة الرابعة التي تضم منطقة الشامية والروضة والعضيلية وجليب الشيوخ والفروانية. وهنا نجد أن الطائفة والقبيلة اختفت بسبب الخليط السكاني على عكس ما هو سائد الآن، وقد تم العمل بهذا النظام الانتخابي حتى آخر انتخابات عام ١٩٧٦. في أوائل الثمانينيات تم تعديل الدوائر الانتخابية وفق تعديل مسخ يقسم المناطق على ٢٥ دائرة مبنية على أساس فئوي وطائفي، وهو الذي سهل على الحكومة التحكم في نوعية المخرجات، حتى بدأ الحراك الشبابي في عام ٢٠٠٦ لتغير النظام الانتخابي في حملة نبيها خمس التي أعادت تصويب النظام الانتخابي لخطه الصحيح لتكون المناطق مقسمة على خمس دوائر بنظام أربعة أصوات، والذي يعطي الحرية للنزول وخلق فرص للتحالفات بنظام شبيه بالقوائم، والذي تم إقراره بعد صراع في عام ٢٠٠٦، وبدأ تطبيقه في انتخابات المجلس عام ٢٠٠٨ ومن هذا التاريخ تحديدا بدأت الخلافات تظهر على السطح ما بين النواب والحكومة، وذلك بسبب عدم قدرة الحكومة على السيطرة المطلقة على المخرجات كسابق عهدها. بعد انتخابات ٢٠١٢ أُبطل المجلس بسبب خطأ إجرائي، وتم تعديل نظام التصويت ليكون بتقسيمة الدوائر نفسها، ولكن بصوت واحد للناخب، ومن هنا بدأ الاستنزاف يظهر على خزائن الدولة، وبدأ الفاسدون يهيمنون على مفاصلها. فمن عام ٢٠١٢ حتى يومنا هذا والبلد يعاني فراغاً تشريعياً وفراغاً رقابياً بسبب نوعية المخرجات الانتخابية، فهي ما بين بصام يلهث وراء معاملات، وفاسد يلهث وراء المال، وكومبارس يمثل علينا مع وجود ندرة في المصلحين. وهنا بدأ الخلل يظهر للعلن، وأصبح الفاسد يجاهر بفساده والمصلح يحاسب بسبب مطالباته الإصلاحية، وبدأ توازن القوى يميل لكفة واحدة، وهي كفة السلطة، فهي المتفردة بالقرار، فلجأ ابن العائلة لعائلته ولجأ ابن القبيلة لقبيلته وابن الطائفة لطائفته والذي نرى بصمته على الواقع اليوم من خلال عودة الانتخابات الفرعية بقوة على عكس نظام الأصوات الأربعة وحتى نظام الصوتين منذ بداية الحياة الديمقراطية، فالانتخابات الفرعية أصبحت المعيار الأساسي للوصول للبرلمان والانتماء الطائفي هو الأصل في الاختيار، وهو ما أدى إلى ضعف المخرجات التي أدت إلى خلل في الدور التشريعي والدور الرقابي.مرت ثماني سنوات جربنا فيها النظام الانتخابي ولامسنا عيوبه، واستشرى الفساد في جميع مرافق الدولة، ونخر الفاسدون في أساسات الدولة، فهل تتعظ الحكومة وتقوم بتعديل هذا النظام، فقد آن الأوان للتغيير؟