في ظلال الدستور: ما الذي يحول دون فضّ دور انعقاد المجلس؟
الدستور كان قاطع الدلالة في تحديد أدوار انعقاد كل فصل تشريعي، فلم يقصر في ذلك، ولم يطلق يد السلطة التشريعية في تحديد ما تراه من أدوار، وذلك ما تنص عليه المادة (83) منه.
سؤال مشروع بعد أن اعتمد مجلس الأمة الميزانية، واستكمل الفصل التشريعي أدواره الأربعة، والمدة المنقوصة من دور الانعقاد العادي الأول، وأصبح مستحقاً دستوريا.سؤال بسيط، والإجابة عنه عند البعض أبسط، بسبب هاجس الخوف لدى هذا البعض من أن فض دور الانعقاد قبل شهر أكتوبر سيلقي على عاتق السلطتين التشريعية والتنفيذية عبئا مضاعف الأثقال هو عقد دور انعقاد خامس على زعم أن المادة (86) من الدستور، توجبه فيما نصت عليه من أنه: "يعقد المجلس دوره العادي بدعوة من الأمير خلال شهر أكتوبر من كل عام، وإذا لم يصدر مرسوم الدعوة قبل أول الشهر المذكور اعتبر موعد الانعقاد الساعة التاسعة من صباح يوم السبت الثالث من ذلك الشهر، فإن صادف هذا اليوم عطلة رسمية اجتمع المجلس في صباح أول يوم يلي تلك العطلة".وإن الحكم الوارد في هذه المادة قد جاء بصيغة عامة ومطلقة، والأصل في الحكم العام أن يسري على عمومه، وفي الحكم المطلق أن يجري على إطلاقه.
إلا أن هذا البعض لم يستنبط أحكام هذه المادة، وفقا لقواعد تفسير النصوص، من حيث عمومها، أو من حيث خصوصها.ومن هذه القواعد في التفسير:أولاً: أن الأحكام تدور وجوداً وعدماً مع علتهاوشهر أكتوبر من كل عام، هو أجل اقترن بالتزامين تناولتهما المادة (86) سالفة الذكر:أولهما: من حيث التعاقب الزمني هو، التزام رئيس الدولة بالدعوة إلى عقد المجلس أدوار انعقاده خلال شهر أكتوبر من كل عام، مقترنا بأجل هو توجيه هذه الدعوة قبل هذا الشهر، وهو التزام أنشأته هذه المادة مقترناً بهذا الأجل، فمصدر هذا الالتزام هو نص هذه المادة.ثانيهما: التزام المجلس بعقد أدوار انعقاده العادية التالية لدور الانعقاد العادي الأول خلال شهر أكتوبر من كل عام، وهو فضلاً عن كونه التزاماً، فهو حق دستوري للمجلس. إلا أن هذا الالتزام ليس مصدره نص هذه المادة، فقد اكتمل تكوينه ووجوده في نص المادتين 83 و85، وهما مصدر هذا الالتزام، وما جاءت المادة (86) من الدستور إلا لتلحق بهذا الالتزام الأجل الذي حددته لانعقاده، فأصبح هذا الالتزام موصوفا بهذا الأجل، والبيّن من هذا النص أنه يحدد ميعادا لعقد أدوار الانعقاد العادية السنوية، عدا دور الانعقاد العادي الأول، الذي أفرد له الدستور ميعادا خاصا. وفي هذا السياق يقول الفقيه الراحل وأستاذ الأجيال القانونية في الوطن العربي د. عبدالرازق السنهوري في الأجل "بأنه أمر عارض في الالتزام لا عنصر جوهري فيه، وهو لا يقترن بالالتزام إلا بعد أن يستوفي الالتزام جميع عناصره الجوهرية قبل أن يضاف إليه الأجل، ثم يأتي الأجل بعد ذلك يقترن به". (الوسيط في شرح القانون المدني– الجزء الثالث، نظرية الالتزام بوجه عام– ط 2004– ص 73). والواقع أن المادة (86) لم تقصر في إبراز هذا المعنى، فاستخدمت المفرد المعرف "دور الانعقاد العادي" وما يدل عليه، وفقا للقواعد اللغوية في الاستنباط، من انصراف هذه العبارة إلى ما هو معرف من أدوار الانعقاد العادية في النصوص الدستورية الأخرى، وعلى الأخص نص المادتين 83 و85 وليس دورا تنشئه هذه المادة من فراغ، بمجرد حلول الأجل المحدد للحق الدستوري سالف الذكر، الذي انقضى باستكمال الفصل التشريعي الحالي أدواره الأربعة العادية، مكتملة التكوين كاملة غير منقوصة، وقوامها 32 شهراً في الآجال المحددة لها، بعد أن استكمل الفصل مدته المنقوصة.فعلّة الحكم الوارد في المادة (86)، هي أن يكون هناك دور مستحق دستوريا ضمن أدوار الانعقاد العادية السنوية، فينعقد في الأجل الذي حددته المادة (86) من الدستور، وليس علة الحكم ميعادا حدده الدستور، لاستخدام الحق الدستوري في عقد أدوار انعقاد المجلس، وهو أمر عارض ليس من عناصر هذا الحق أو من تكوينه كما قدمنا.ثانياً: أدوار الانعقاد المستحقة دستورياًوقد كان الدستور قاطع الدلالة في تحديد أدوار انعقاد كل فصل تشريعي، فلم يقصر في ذلك، ولم يطلق يد السلطة التشريعية في تحديد ما تراه من أدوار، وذلك ما تنص عليه المادة (83) من الدستور من: "أن مدة المجلس أربع سنوات"، وما تنص عليه المادة (85) من أن "للمجلس دور انعقاد سنوي".فجاءت عبارة المادة 85 واضحة جلية المعنى من أن للمجلس دور انعقاد سنوي، أي له دور واحد سنويا، كما جاءت المادة 85 واضحة المعنى جلية في أن مدة المجلس أربع سنوات.ولا اجتهاد مع صراحة النصين ووضوحهما فيما لا يحتمل أي تأويل، فإن أدوار انعقاد كل فصل تشريعي هي أربعة، فالأرقام لا تكذب، فبحسبة بسيطة هي: أربع سنوات × دور واحد سنوي= أربعة أدوار، الأمر الذي لا يتأتى معه عقد دور انعقاد للمجلس في شهر أكتوبر من هذا العام بعد فضّ دور الانعقاد الحالي.وهو ما تؤكده المادة (85) فيما تنص عليه من أنه "لا يجوز أن يقل دور الانعقاد العادي السنوي عن ثمانية أشهر"، فلا يمكن أن يتعدد دوران عاديان في سنة ميلادية واحدة مدة كل منهما ثمانية أشهر، لاستحالة ذلك، ومع ما هو معلوم من أن لا الناهية تعني التأكيد والجزم، ولعل ما يؤكد اليقين في هذا الأمر ما تنص عليه المادة (104) من الدستور من أنه: "يفتتح الأمير دور الانعقاد السنوي لمجلس الأمة ويلقي فيه خطابا أميريا يتضمن بيان أحوال البلاد وأهم الشؤون العامة التي جرت خلال العام المنقضي، وما تعتزم الحكومة إجراءه من مشروعات وإصلاحات خلال العام الجديد، وللأمير أن ينيب عنه في الافتتاح أو في إلقاء الخطاب الأميري رئيس مجلس الوزراء".فقد تناولت هذه المادة مضمون وفحوى النطق السامي الذي يفتتح به الأمير دور الانعقاد العادي السنوي، بأنه تقييم لأوضاع عام انقضى وما تعتزم الحكومة إنجازه من إصلاحات في العام الجديد، وليس بضعة أيام، ستكون الفارق الزمني بين دور الانعقاد الرابع والأخير من الفصل التشريعي الحالي، بعد فضه ودور الانعقاد التكميلي المرشح لذلك في شهر أكتوبر.وللحديث بقية في هذا الموضوع في مقال قادم بإذن الله، إن كان للعمر بقية.
علّة الحكم الوارد في المادة (86) هي أن يكون هناك دور مستحق دستورياً ضمن أدوار الانعقاد العادية السنوية