هاشم البدر القناعي تعلَّم الإنكليزية بنفسه وافتتح مدرسة لتدريسها
ضيفنا شخصية رائدة في مجال تعليم اللغة الإنكليزية في الماضي، بل شخصية سابقة لعصرها بسنوات عديدة، ففي ذلك الوقت قبل مئة عام، عندما كان التعليم بالكويت عبارة عن مدارس أهلية لتحفيظ القرآن الكريم ومبادئ الكتابة والحساب، نجده يفتتح مدرسة لتعليم اللغة الإنكليزية بالكويت!المرحوم هاشم عبدالرحمن البدر القناعي، من مواليد فريج "الفرج"، بالحي الشرقي في مدينة الكويت القديمة عام 1٨9٨. بدأ حياته الدراسية بمدارس الكويت الأهلية، إلا أنه تفوق على أقرانه باعتماده على تثقيف نفسه بدراسة أصول وقواعد اللغة الإنكليزية، واستفاد كثيراً من الكتب الإنكليزية التي كانت توزعها بعثة الإرسالية الأميركية في الكويت وتعمَّق في دراستها، واستفاد من الكتب الأخرى التي كان يطلبها من الخارج، مكرساً جُل وقته ليلاً ونهاراً لنهل علومها، حتى أصبح المرجع الوحيد لأصول وقواعد اللغة الإنكليزية بالكويت في ذلك الوقت، ودفع ضريبة هذا التحصيل بتأثر بصره وضعفه الذي لازمه طوال حياته!في العشرينيات من القرن الماضي، سافر إلى الهند للعمل ودراسة اللغة الإنكليزية وقواعدها على الطريقة الصحيحة، وعند عودته للكويت في عام 1930 افتتح مدرسة خاصة لتعليم اللغة الإنكليزية عُرفت باسم "المدرسة الأهلية"، وكان موقعها بالقرب من ساحة الصفاة، إلا أنها انتقلت إلى موقع آخر بمنطقة "البهيتة" في حي الوسط.
واستمر بعصاميته في إدارة المدرسة وتطوير التعليم باستخدام الآلة الطابعة، وكذلك أدخل دروس الاستماع بواسطة الأسطوانات التي أحضرها معه من الهند، وأضاف مادة المراسلات التجارية لغرض معرفة الطلاب طريقة وأسلوب مخاطبة الشركات التجارية بالخارج!وعلى الرغم من الصعوبات، التي كانت تواجهه نتيجة ضعف بصره فإنه كان يقوم بمفرده بجميع المهام التعليمية، فهو المدرس والمُحضّر والمدير في آن واحد! ولقلة المدرسين المتخصصين في ذلك الوقت، استدعاه المسؤولون في مدرسة المباركية للاستعانة بخبراته لتقديم دروس لطلبة المستوى التجاري، وتكلل جهده بتقلد تلاميذه مناصب هامة في الكويت، وهم يدينون له بالفضل الذي أوصلهم إلى ذلك!لدى الأستاذ هاشم البدر نشاط آخر مغاير تماماً عن مجال التعليم، فهو يعتبر أول من أنشأ في الكويت بمنتصف الثلاثينيات مصنعاً لصناعة الصابون، وعند نشوب الحرب العالمية الثانية، انقطعت مصادر الصابون المستورد، مما أدى إلى ازدياد الطلب على الصابون المصنع محلياً، مما حدا بالأستاذ هاشم إلى مضاعفة الإنتاج، لدرجة أنه قام بتصدير ما زاد على الاستهلاك المحلي إلى بلدان الخليج العربي، وخصوصاً البحرين.ونتيجة قلة المياه العذبة في الكويت ابتكر نوعاً من الصابون "يرغي" في الماء المالح، المُسمى عندنا "ماء الخريج". ولظروف الحرب العالمية الثانية وانقطاع المادة الأساسية في صناعة الصابون (الصودا الكاوية)، فكّر في استخراجها من الصخور الصحراوية، التي تسمى بـ"الهردك"، واتفق مع جماعة من البدو يجلبونها له، وهذه المادة يستخدمها كذلك أصحاب دكاكين العطارة (الحواي) لأغراض أخرى!واستمر المصنع يمد السوق المحلي في الكويت طوال فترة الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك دخلت صناعات منافسة من الصابون المستورد من الخارج، بالشكل واللون والرائحة، مما أدى إلى إغلاق هذا المصنع الرائد!توفي الأستاذ هاشم البدر، وانتقل إلى جوار ربه بتاريخ ٥ فبراير من عام 1961.