بين شجرة الليمون والنخلة *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
صديقي الذي راح للمرة الأولى يتفحص بعينين مشدوهتين هول المشهد، تجول حتى أخذته قدماه هناك، عند البلكونة التي أحب مع شجرة الليمون التي لم ينل منها الانفجار سوى بضع ورقات، وكذا الحال مع شجرتي الغاردينيا والياسمين، سقط الزجاج وتحطمت الكراسي والطاولات ولم يبق سوى بعض من بقايا حائط والأشجار... حديثه عن شجرة الليمون أعاد مقالة أخرى كان قد صاغها صديق وهو يمر أمام منزل والدي في البحرين، حيث النخلة التي صمدت حتى بعد رحيل وهجرة الأحبة... الأشجار تموت واقفة، بل هي تبقى واقفة لتجدد الحياة لها ولمن حولها. حديث الهجرة والوقوف أمام أبواب السفارات هو الأكثر انتشارا اليوم، الشباب يرددون بأنه لا أمل بعد رغم أن إحداهن لا تتوقف عن سماع فيروز تردد "إيه في أمل"، ولكن صوتها بين أفراد تلك الشلة بدا وحيداً وضعيفاً لا حجة لها، وهم ينظرون لحطام بيوتهم ومدينتهم التي ما إن يحل المساء حتى تغطس في بحر من العتمة.قبل أن يخرجوا ويوصدوا الباب تفننوا في تزيين كل ما تبقى من جدران بلوحات وعبارات تعبر عن غضب، بل مزيد من الإصرار على المحاسبة، وعند الجدار القريب من المرفأ وضعوا لوحات تحمل أسماء ضحايا الانفجار، وأخرى لمن لا يزالون يقاومون الموت في غرف الإنعاش بمستشفيات المدينة.بعضهم قال لنا عودة وآخرون أغلقوا الأبواب وأوصدوا النوافذ خلفهم ورموا المفاتيح حتى يبعدوا عنهم غواية العودة للمدينة والبلاد التي عشقوا.هي الخمسينية تتلعثم وهي تردد أريد أن أترك خياراتي مفتوحة ولكن إلى أين أرحل في هذا العمر؟ وكيف أبدأ حياة جديدة؟ وفي محاولة لثني نفسها عن التفكير في الرحيل تردد وكأنها تهمس بينها وبين نفسها: "كل البلدان فيها أزمات اقتصادية وبطالة ومشاكل وين بدنا نروح؟". تعود أشباح المدن تطارده، يتذكر كم كانت تلك الأمكنة حنونة عليه، كم كان نهارها صخبا وليلها ضجيج الفرح، كم مدينة سيترك ومعها صور وحكايات وأحبة وكثير من الذكريات المخزنة في القلب.* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية