يحظى جو بايدن بأضعف دعم لاتيني على الإطلاق مقارنةً بأي مرشّح ديمقراطي للرئاسة في التاريخ الحديث، فقد حصد الرئيسان السابقان بيل كلينتون وباراك أوباما أكثر من 70 في المئة من أصوات هذه المجموعة، وصوّت 66 في المئة منها لهيلاري كلينتون في عام 2016، لكن يبدو أن نائب الرئيس الأسبق جو بايدن يتجه إلى كسب 60 في المئة من الأصوات اللاتينية فقط، وبما أن اللاتينيين يشكّلون أكثر من 10 في المئة من الناخبين المؤهلين في 12 ولاية، بما في ذلك دوائر حاسمة مثل فلوريدا (20 في المئة ) وأريزونا (23 في المئة )، فإنه يصعب أن يتوقع أحد المسار الذي يضمن فوز بايدن بأغلبية الأصوات في الهيئة الانتخابية ما لم يُحسّن سريعاً موقعه بين هؤلاء الناخبين.لماذا يقتصر الهامش بين ترامب وبايدن في مقاطعة «ميامي ديد»، معقل الحزب الديمقراطي، على نصف النتيجة التي حققتها كلينتون منذ أربع سنوات مثلاً؟ يبدو أن اللاتينيين لم يتأثروا بنائب الرئيس الأسبق بكل بساطة، وهم يشكلون نحو 65 في المئة من سكان «ميامي ديد»، كذلك يبدو أن حملة بايدن لا تفهم أهمية الأصوات اللاتينية هذه السنة، وبما أن بايدن بدأ يخسر موقعه في فلوريدا بكل وضوح، فقد أصبحت أريزونا الولاية الحاسمة في حملته الانتخابية، إذ تفيد التقارير بأنه متفوق هناك، لكن ترامب فاز بأصوات تلك الولاية في 2016 بفارق 4 نقاط، وتذكر صحيفة «أريزونا ريبابليك» أن بايدن تباطأ في التواصل مع القاعدة اللاتينية: «لقد تأخرت حملة المرشّح الديمقراطي للرئاسة، جو بايدن، في التواصل مع الناخبين اللاتينيين علماً أن تأثيرهم تزايد في الولايات التي تشهد معركة محتدمة، على غرار أريزونا، حيث تسارع نمو السكان اللاتينيين... حتى الآن يشعر القادة اللاتينيون ومنظّمو القاعدة الشعبية بالقلق من فكرة أن تعتبر حملة بايدن دعم الناخبين اللاتينيين مسألة مضمونة، بما في ذلك العدد المتزايد من اللاتينيين الشباب الذين أصبحوا مؤهلين للتصويت حديثاً، فتغفل بذلك عن فرصة توسيع الدعم الذي تحصده وسط اللاتينيين رغم دورهم الحاسم في 2020».
على صعيد آخر، يبدو أن حملة بايدن تستخف بولاية نيفادا أيضاً، فقد كتب تشاك روشا، خبير استراتيجي ديمقراطي ومستشار في حملات رئاسية متنوعة، في صحيفة «نيويورك تايمز»: «بدأ بايدن يكثّف تواصله مع اللاتينيين، لكنه مضطر لبذل جهود إضافية، ولن تكون مهاجمة ترامب كافية لضمان فوز نائب الرئيس الأسبق في نهاية السباق الانتخابي، لقد كنتُ جزءاً من مجموعات التركيز العاملة مع القاعدة الانتخابية اللاتينية التي سببت مشكلة لم يعالجها الديمقراطيون بعد منذ 2016: قد تكون الرسائل المعادية لترامب مفيدة، لكن لا يعرف اللاتينيون تأثير إدارة بايدن المحتملة على عائلاتهم».ينجم هذا الوضع عن تفشي «متلازمة عداء ترامب» بين الجماعات ذات الميول الديمقراطية أكثر من اللاتينيين، فمنذ يناير 2019، كشف مركز «ماريست» للاستطلاعات أن نِسَب تأييد ترامب في أوساط اللاتينيين وصلت إلى 50 في المئة ، وبعد شهر واحد فقط، ذكر استطلاع من تنظيم شركة «مورنينغ كونسلت» أن نسبة تأييد اللاتينيين للرئيس تبلغ 42 في المئة . شكّك الديمقراطيون ووسائل الإعلام بهذه الاستطلاعات، ومع ذلك لا بد من احترام نتائجها.في هذا السياق، يظن العالِم السياسي ستيفن نونيو بيريز، وهو محلل مرموق في الشركة البحثية «لاتينو ديسيشنز»، أن دعم اللاتينيين للجمهوريين ليس ظاهرة متناقضة: «يفترض الناس دوماً أن الجمهوريين اللاتينيين يعكسون شكلاً من التناقض مع الواقع، لكنها فكرة خاطئة، لطالما انجذب بعض اللاتينيين إلى القيم والسياسات الجمهورية، ويحمل اللاتينيون أصلاً جزءاً كبيراً من خصائص الجمهوريين الآخرين... يمكن القول إذاً إن اللاتينيين يشبهون الجماعات الأخرى على مستويات عدة، مما يعني أن هذه القاعدة من الناخبين متنوعة جداً وترتكز أصواتها على خليط من المصالح الشخصية والطموحات والآراء السياسية والاعتبارات الدينية ومفاهيم الانتماء والهوية».بما أن أحد الأكاديميين مضطر لإخبار عدد كبير من الديمقراطيين بأن الناخبين اللاتينيين يشبهون الآخرين، يتّضح جزء من الأسباب التي تمنع بايدن من التواصل مع هذه الجماعة بالشكل المناسب. يتعلق سبب آخر بالميول اليسارية المتطرفة التي يحملها الحزب الديمقراطي، فقد جاء عدد كبير من اللاتينيين إلى الولايات المتحدة هرباً من الوعود الفارغة التي سمعوها من قادة الاشتراكية المزيفين. يكفي أن نشاهد خطاب رجل الأعمال ماكسيمو ألفاريز خلال المؤتمر الوطني الجمهوري كي نفهم سبب ضعف الدعم اللاتيني لجو بايدن، إذ يعرف اللاتينيون أنه رهينة للمعسكر اليساري، وحين يشاهدونه، يدركون فوراً أنه يطبّق بكل بساطة الحملة الدعائية التي حضّرها له «خاطفوه»، ولهذا السبب يرفض اللاتينيون الانضمام إليه في «سجنه» ولن يصوتوا له مطلقاً.* «ديفيد كاترون»
مقالات
بايدن ومشكلته اللاتينية المدمّرة
14-09-2020