على خلفية الانتخابات الفرعية المجراة أخيراً، تُثار العديد من التساؤلات عن القصور الذي يعتري مواد تجريم قانون الانتخاب، وهل ستقضي المحاكم بإدانة المشاركين أو المنظمين أم ببراءتهم؟ وهل مظاهر الفرح والابتهاج التي نشرتها شبكات التواصل الاجتماعي كفيلة بإدانتهم؟وبالرجوع إلى نص المادة 45 من قانون الانتخاب يتضح معاقبة النص في الفقرة خامساً منها كل مَنْ نظم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو مَنْ دعا إليها، وهي التي تتم بصورة غير رسمية قبل الميعاد المحدد للانتخابات، لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين لفئة أو طائفة، وهو الأمر الذي يقطع بتجريم القانون لأي انتخابات فرعية تجرى لانتخاب أحد المتأهلين للترشح بين فئة من فئات المجتمع أو طائفة وكان ذلك قبل الميعاد المحدد للانتخاب.
والملاحظ أن النص الوارد بحكم الفقرة خامساً يشير إلى تجريم النشاط المسمى بالانتخابات الفرعية؛ تنظيماً ومشاركة، وهو الأمر الذي يثير في حقيقته مسألتين، هما: النص أورد مصطلح إجراء الانتخابات الفرعية، في حين أن ما قد يجرى اليوم ليس انتخاباً بمفهومه الحقيقي، كقيد وناخبين وصناديق ولجان، بل تشاوريات تجرى بعيداً عن المفهوم الحقيقي لمعنى الانتخاب، وهي تشاوريات قد تجرى على نحو من التشاور والبحث بين أبناء القبيلة أو العائلة، فتخلص إلى اختيار أحد الأسماء، ويلتزم جميع المنتمين بها.بينما الصورة الثانية، والتي قد تسفر عنها اجتماعات الفئة أو الطائفة، فلا تعدو إلا أن تكون تصفيات أو مسابقات بين المتنافسين، ويخلص قرار اللجنة المشرفة إلى اتباع إحدى صور الاختيار لأي من المتنافسين، وليس من بين تلك الصور الانتخاب، ويكون ذلك الاختيار بهدف الوقوف على اسم لتمثيل الطائفة أو الفئة في الانتخابات المقبلة، ومن دون أي مظاهر للانتخاب التي عناها المشرِّع للتجريم.لذلك، فإن النص بصورته الحالية معيب وقاصر، لكونه اختزل تجريم الفرعيات التي تجرى قبل الانتخابات بتلك التي تعقد بالانتخابات بصورة غير رسمية، وهي المسألة التي تجعل القاضي الجنائي كثير التردد عند إدانة المتهمين بالانتخابات الفرعية، لكون أن ما أقدم عليه المشاركون أو المضبوطون هو أحد صور التشاور أو الاجتماع أو التصفيات، وهي أنشطة غير مطابقة للنموذج الجنائي الوارد في الفقرة خامساً من المادة، والتي استلزمت شكلاً محدداً في تجريم هذا النشاط بصورة انتخابات فرعية!بينما المسألة التي تُثار بشأن مشروعية الانتخابات الفرعية التي تتم قبل صدور مرسوم الدعوة وفق ما خلص إليه أحد الأحكام القضائية، بتبرير أن المشرِّع ربط تجريم عقد تلك الانتخابات بالميعاد المحدد للانتخاب، وبما أنه لم يصدر ذلك المرسوم، فأي انتخابات فرعية تجرى قبله لا تجريم لها، إلا أن تلك المبررات تستدعي منا اليوم التوقف والبحث في سلامتها، لاختلاف الظروف وقرب موعد الانتخاب، لأن موعد الانتخابات المقبلة محدد ما بين منتصف أكتوبر إلى منتصف ديسمبر المقبلين، كما أن النص الوارد في الفقرة خامساً لم يربط تجريم الانتخابات بصدور مرسوم الدعوة، بل بتلك التي تجرى قبل الميعاد المحدد للانتخابات.أخيراً، يتعيَّن على المشرِّع إعادة صياغة الفقرة خامساً من نص المادة 45 من قانون الانتخابات، وذلك بتجريم كل أنواع الاتفاق أو التشاور أو التصفيات، سواء تلك التي أُجريت اتفاقاً أو انتخاباً، فما التجريم الوارد بحكم الفقرة خامساً إلا صورة واحدة، ولا يمكن للقاضي الجزائي أن يقيس عليها أو يتسع في تجريمها على ما يسمى بالتشاور أو التصفيات طالما لم يضبط مع أي من المشتركين فيها ما يدل على وجود كشوف للناخبين أو للمرشحين أو صناديق أو أوراق للانتخاب، فضلا عن ضرورة ضبط الصياغة الواردة بالفقرة بعبارة «قبل الانتخابات»، بدلاً من عبارة «الميعاد المحدد للانتخابات».
مقالات
مرافعة: براءة الانتخابات الفرعية!
15-09-2020