تُعرف منطقة النوبة بأنها "بلاد الذهب"، واسم النوبة في اللغة القبطية "نب"، إذ إنها المنطقة التي كان قدماء المصريين يجلبون الذهب من مناجمها، ولهذا السبب سميت "بلاد الذهب".ولا تزال هذه المنطقة التاريخية تحظى باهتمام كبير من جانب المصريين، خصوصاً الباحثين عن الجمال، كونها قطعة فريدة في حضن الطبيعة، وحافظ أبناؤها على طابعها الحضاري منذ 5000 عام، وتعتبر البيوت أحد معالم هذا الجمال الذي تزيد روعته يوما بعد يوم.
وخلال الآونة الأخيرة تبارت مجموعات من الشباب في نشر صور لهذه البيوت النوبية، كنوع من الترويج للسياحة وجذب الزائرين إلى المنطقة التاريخية القديمة المعروفة بتميزها وطقسها الرائع خصوصا في فصل الشتاء، حيث ينطلق الموسم السياحي غالبا بدءا من أكتوبر، ويمتد حتى مارس من كل عام، حيث تكون درجات حرارة الجو مستقرة في ذلك الوقت.وتمتاز البيوت النوبية بتصميمها الهندسي المريح، وألوانها البراقة، وكذا النقوش التي تزين جدرانها، سواء من الداخل أو الخارج، لتكتمل اللوحة الفنية بإطلالتها البديعة أمام صفحة النيل، وشيدت هذه المنازل من الطوب اللِبن وهي – في الغالب - مكونة من طابق واحد أو اثنين، وذات عمارة لها طابع خاص لا يتكرر في أي مكان آخر، بل يحمل خصوصية الجمال في بلاد الذهب، فالعمارة النوبية تعكس حضارة عريقة تعبر عن البيئة المحيطة في هذا المجتمع.
تجديد الهواء
وهذا الجمال الساحر المريح لعين الرائي، ليس محض جمال شكلي، بل إن تصميم البيوت يعتمد على فلسفة مدروسة، ففي هذه البيوت فتحات عدة، الهدف منها تجديد الهواء، لتصبح صحية لمن يسكن فيها.وقال المهندس المعماري تامر حسن إن "العمارة النوبية ليست مجرد بناء، بل هي أسلوب حياة، حيث إنها تتميز بالحفاظ على العادات والتقاليد الاجتماعية التي يعتز بها أهل النوبة، وقد لخص فلسفة العمارة النوبية شيخ المعماريين المهندس حسن فتحي حين قال إنها نظام حياة وليست إيواء".وأشار حسن إلى أن سكان النوبة كانوا يشاركون ليس فقط في عملية البناء، بل أيضا في تجميل واجهاتها بالرسوم الجدارية، وغالبا ما يقوم بذلك النساء وبنات البيت، فكان هناك حرص على إقامة المصاطب الخارجية أمام مداخل المنزل، حيث يتلاقى الجيران.معظم الفراغات
وهذا النمط المعماري يمثل نسيجا اجتماعيا متماسكا بين السكان، سواء في البيت الواحد أو في مجموعة البيوت في النجع أو القرية. ولفت حسن إلى استخدام النوبيين حوائط سميكة من الطوب الطيني لتحقيق عزل حراري عالٍ، إضافة إلى استخدام الفناء الداخلي في معظم الفراغات.وأشار إلى استخدام الفتحات العالية لسحب الهواء الساخن إلى الخارج بالطريقة ذاتها التي تمت بها المعالجة في مدينة شيام حضرموت والعمارة الطينية اليمنية، إضافة إلى تغطية الممرات في أجزاء كبيرة منها لزيادة مسطح الظلال.أعداد كبيرة
ولاقت الصور، التي تم نشرها على نطاق واسع في "فيسبوك" و"تويتر"، إعجاب الكثيرين، حتى من جانب المصريين أنفسهم الذين لم يقدر لهم السفر إلى بلاد الذهب، كونها تقع في أقصى جنوب البلاد، وأسهمت بعض الصور المصحوبة بتعليقات باللغة الإنكليزية في الوصول إلى أعداد كبيرة من الأجانب المهتمين بزيارة المناطق الطبيعية الجميلة حول العالم، كما تم نشر صور لبنايات حديثة بينها فنادق سياحية شيدت على النمط النوبي القديم الذي يستهوي كل زائر لهذا المكان البديع.وتعد صفحة "النوبة" على موقع فيسبوك أبرز المنابر التي تنقل الكثير عن ثقافة أهل النوبة وجمال بلادهم، ولا تكتفي بنشر الصور فقط، بل يتنوع محتواها بين صور ومقاطع فيديو ومعلومات مهمة وموثقة عن بلاد الذهب وكذلك الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية، ما جعل عدد متابعيها يتجاوز المليون متابع خلال سنوات قليلة.