بغض النظر عن هوية الرئيس الأميركي بعد الانتخابات المقبلة، من الواضح أن التركيز سيصبّ على شعار "أميركا أولاً" ووحدها المقاربات المنتقاة لتنفيذ هذا التوجه ستكون مختلفة، وإذا أُعيد انتخاب دونالد ترامب، فستدعم قاعدته الانتخابية استمرار سياساته الانعزالية والحمائية، وإذا أصبح جو بايدن رئيس البلاد، فقد يحظى بدعمٍ شعبي محدود لتجديد الالتزامات الدولية لكن سيرغب الناخبون حتماً في إعطاء الأولوية للشؤون الداخلية.لا مفر من أن تتأثر السياسة الخارجية خلال العهد الرئاسي المقبل، لأن تاريخ الانعزالية قد يكون طويلاً في الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يعني أن واشنطن تغفل عن الترابط المتزايد بين دول العالم المعاصر، ومع ذلك يجد الأميركيون صعوبة في استرجاع التوازن لتحديد دور بلدهم في هذا العالم.
يحظى بايدن وترامب معاً بدعم شعبي واسع لتكثيف الضغوط على الصين، مع أن مقاربتهما الهجومية قد تكون مختلفة: من المتوقع أن يتمسك ترامب بالرسوم الجمركية في حين يفضّل بايدن التعاون عن قرب مع أوروبا في مسائل التجارة وحقوق الإنسان، وعلى نطاق أوسع يحمل معظم الأميركيين (73%) اليوم نظرة سلبية تجاه الصين، بزيادة 18 نقطة منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، ويضع ربع الأميركيين بكين بمصاف "الأعداء" ويظن نصفهم أن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى مقاربة أكثر عدائية تجاه الصين في المسائل الاقتصادية، مع أن المواقف تختلف بين الحزبَين في هذا الإطار، إذ يميل الجمهوريون إلى انتقاد بكين بشكل عام في حين يتخذ الديمقراطيون مواقف أكثر صرامة من مسألة حقوق الإنسان تحديداً.في ملف الهجرة، لا تتماشى سياسات ترامب مع توجه الرأي العام، فقد سبق ووعد ترامب بالحد من توافد المهاجرين إذا فاز في الانتخابات لأن ناخبيه الجمهوريين يريدون ذلك، ويعكس هذا التوجه جزءاً من أبرز قناعاته الشخصية القديمة. وفي حال فوزه يجب أن يتوقع الجميع إذاً زيادة الاعتقالات الجماعية بحق الوافدين غير الشرعيين وإنهاء جداره الحدودي وتشديد الضوابط على الهجرة القانونية.في المقابل، من المتوقع أن يخفف بايدن الضوابط المفروضة في هذا الملف لأنه مقتنع بأن الاقتصاد استفاد من الهجرة ويتكل الحزب الديمقراطي بشكلٍ متزايد على الناخبين اللاتينيين والآسيويين، لكنّ فتح الحدود لن يحصل بقرارٍ من بايدن، حيث تبلغ الجماعة السكانية الأميركية المولودة في الخارج اليوم مستويات شبه قياسية ولطالما نشأت ردة فعل شعبوية قوية كلما اقتربت نسبة هذه الفئة السكانية من 14% من مجموع السكان، فلا يستطيع الديمقراطيون أخذ هذه المجازفة مجدداً.أما عن التغير المناخي، فتكثر الأدلة التي تثبت أن الرأي العام الأميركي يزداد قلقاً حول هذا الموضوع، ومن المتوقع أن يؤيد إعادة الانضمام إلى اتفاق باريس للمناخ في حال انتخاب بايدن وتكثيف الالتزامات الأميركية بتخفيض انبعاثات الكربون، لكن يبدو أن الرأي العام لن يعاقب ترامب على الأرجح إذا انسحب من ذلك الاتفاق، وسيتابع الرئيس حتماً إنكار علم المناخ مقابل دعم قطاعات الفحم والنفط والغاز.في النهاية، لن تتوقف نتيجة الانتخابات الأميركية في 2020 على الملفات الخارجية، مع أن أي أزمة دولية قد تؤثر في التصويت بطريقة غير متوقعة، لكن نظراً إلى مزاج الناخبين الأميركيين في الوقت الراهن، سيبقى الضغط الشعبي لتبنّي سياسة خارجية أميركية ناشطة ومبنية على التعاون ضئيلاً إذا أُعيد انتخاب ترامب، باستثناء الإجماع على دعم التشدد في التعامل مع الصين، وفي المقابل قد يترافق فوز بايدن مع توسيع هامش المبادرات الدولية.في مطلق الأحوال أصبحت بيانات الرأي العام واضحة، حيث يريد الناخبون من الرئيس الأميركي المقبل أن يُركّز أولاً على الشؤون الداخلية، أي التغلب على فيروس كورونا المستجد، وإخراج البلد من الركود الاقتصادي العميق، وتهدئة الاضطرابات العرقية، وعكس مظاهر اللامساواة، فقد تكون نتيجة الانتخابات كفيلة بإنهاء السياسة الخارجية الأميركية التي اتخذت منحىً عدائياً في الفترة الأخيرة ووقف تدهور الدور الأميركي الدولي، لكنّ تجديد الالتزامات الأميركية الخارجية يبدو مستبعداً حتى الآن لأن أولويات الرأي العام المحلي مختلفة.* «بروس ستوكس»
مقالات - اضافات
الناخبون الأميركيون لا يثقون بوقائع السياسة الخارجية
15-09-2020