1990/1976 و2020/1991 أزمة سلطة
ما أشبه اليوم بالبارحة، فمنذ عام 1976، وبعد ما يقارب خمسة وأربعين عاماً، والبلد يعيش دوّامة من الأزمات والفشل المريع في إدارة شؤونه، ولَم يتمكّن البلد طوال الخمسة وأربعين عاماً المذكورة من إيقاف حالة التدهور والتراجع والترهل والفساد، التي تمكّنت من مفاصل الدولة كافة، فكانت تلك نارٌ لا تُبقي ولا تذر في حرقها للدولة بمؤسساتها وأجهزتها، وبثرواتها ومدّخراتها، وبمشاريعها ومرافقها، وبسلطاتها ونزاهتها، وبمكوناتها الاجتماعية والبشرية.ولَم يكن ذلك يسير بتأرجح بين ارتفاع وهبوط، وبين فشل ونجاح، وبين تقدُّم وتراجُع، وإنما المنحى كان يسير بانحدار مخيف وشديد، بسرعة مقلقة، وبتفاقم مرعب، وبتدمير مذهل. ولَم يكن ذلك لمجرّد فشلٍ في إدارة الدولة، ولا إخفاق في ملفات حكومية، ولا لتداعيات برلمانية، ولا تجريب وقلّة خبرة.وإنما تم ذلك وحدث بسبب خلل جوهري في إدارة شؤون الدولة، تولّد عن خروج السلطة عن دورها، وإصرارها على الاستئثار والتفرّد بإدارة شؤون الدولة، على أساس فردي، بالتغول على جميع المؤسسات، والتدخل المباشر فيها، مما أفسدها وهمّش وجودها، ونقل "الكويت" الدولة العصرية والدستورية إلى وضع الإمارة العشائرية البدائية، لإصرار السلطة على أن تدير كل شؤون الدولة بصورة تحكّمية انفرادية، بعيداً عن المشاركة الحقيقية والمنظومة الدستورية، والقواعد المؤسسية والمشروعة.
فالأسرة الحاكمة التي أناط بها الدستور منصبي الأمير وولي العهد، لم تكتفِ بما تم التعاقد عليه في الدستور، ولَم تقف عند حدوده، بل تولّت رئاسة الحكومة خروجاً على قواعد النظام البرلماني، الذي قصد النأي بها عن هذا الموقع وما يخالطه من تجريح ومحاسبة، وتجاوزاً لمقاصد الدستور حينما اختط توازناً دقيقاً بين دور السلطة المرجعي المؤطر والمرسوم بالمواد 4 و54 و55 من الدستور، ودور النظام البرلماني الشعبي الذي تدور في كنفه السلطة التنفيذية بالمواد 6 و51 و123 من الدستور.فكان نصيب كل الحكومات التي شُكّلت بعيداً عن تلك الأسس والثوابت الدستورية الفشل أو الضعف، أو خلق تجاذب سياسي غير محمود، ولَم يعد البلد يحتمل مزيداً من التجريب المضرّ أو التداخل المخلّ، بل يحتاج إلى تقويم مستحق وعودة فورية للثوابت الدستورية.وكان من شأن التذبذب في المشاركة الشعبية ومحاولات التأثير المباشر للسلطة على تكوين مجلس الأمة ومجريات عمله، بتعطيله أحياناً والتدخل في انتخاباته أحياناً أخرى، واستقطاب أعضائه وشراء ولاءاتهم في أحيان ثالثة، أن حرَفَ البرلمان عن دوره ورسالته، وحوّله إلى سلطة معاقة ومعوِّقة في معظم تجاربه، فصار شريكاً في الفساد، بدلاً من أن يقوّم المؤسسات والأجهزة بحُسن الرقابة والمحاسبة المسؤولة.ينبغي على الأسرة أن تراجع ما مرّت به البلاد من أزمات ومعضلات وتراجعات منذ 1976 إلى 1990، حينما باغتنا الغزو العراقي الغاشم، ومنذ 1991 وحتى اليوم، كي تدركَ أنه يجب أن تعود أدراجها لمكانها الدستوري الطبيعي، وتصون موقعها المرجعي، وتحسم بُعدها عن أيّة مواضع تخدشها أو تعرّضها للتجريح، حتى تُخرج البلدَ من منحنى الانحدار ودوامة الأزمات، وهو الخير للعباد والبلاد.