مع إتمام عملية إدراج أسهم شركة بورصة الكويت في السوق الأول تتعاظم الاستحقاقات المطلوبة تجاه تطوير سوق المال، بما يلائم حقيقة تحول البورصة من الملكية العامة إلى ملكية القطاع الخاص.ومع أن عملية تطوير البورصة مسؤولية الشركة المشغلة، وهي بورصة الكويت، كونها الجهة المستفيدة من تحقيق الأرباح لمساهميها، والأهم من ذلك أنها نموذج لخصخصة مرفق عام يجب عليه النجاح ليكون قاعدة لتعميم التجربة على قطاعات أخرى، مما يتطلب منها قدرا أكبر من المبادرة؛ عبر تنويع الخيارات أمام المستثمرين وطرح الأدوات الاستثمارية والتوسع في تعظيم قيمة البورصة كوعاء للتمويل والاستثمار، إلا أن العملية بصورتها الأوسع تشاركية، الى حد كبير، بالتعاون مع هيئة أسواق المال والشركة الكويتية للمقاصة.
بورصات جديدة
ولعل تعظيم قيمة البورصة، أو بالأصح سوق المال في الكويت يتطلب تطبيقا عمليا لمسمى الهيئة الرقابية، وهي هيئة اسواق المال التي تعني تأسيس بورصات أخرى في قطاعات متعددة كالتكنولوجيا والشركات صغيرة ومتوسطة الحجم والعقار وأنظمة الاستثمار الجماعي، فضلا عن أسواق التمويل كالسندات والصكوك، والإصدارات الاولية والثانوية، الى جانب وجود بورصة اخرى منافسة للبورصة الحالية تنعكس منافستهما إيجابا على خدمات رسوم التسجيل والإدراج وعمولات الوساطة، وهذه البورصات كلها تكون تحت رقابة وإشراف هيئة اسواق المال، بما يعزز قيمة الاسواق المالية في الكويت ويجعل تنوعها وتنافسها جاذبا لسيولة محلية وخارجية، كما انها تعزز القيمة المهنية للسوق الكويتي من خلال الاستعانة بالشركات الاجنبية ذات الخبرة في تشغيل بورصات متخصصة محليا.ولعل احتفاء هيئة أسواق المال هذا الأسبوع بمرور 10 سنوات على تأسيسها يزيد عبء التطوير عليها، في التوجه الجدي نحو تنويع البورصات في الكويت، فضلا عن تخفيف قيود ومدة الإدراج للشركات المساهمة العامة، مع الاخذ بعين الاعتبار معالجة العديد من الاختلالات التي شابت عمل الهيئة، خلال السنوات الماضية؛ كالفوضى المستمرة في توصيات الأسهم، خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها من خارج الكويت، وذلك عبر منح الترخيص لمجموعة معلنة من الشركات ذات الخبرة والشفافية والمهنية الموثوقة في إصدار التوصيات والتحليلات، على أن يكون المستثمر بعدها مسؤولاً إن اعتمد على توصيات جهات غير مرخصة.تحديات السيولة
أما على الواقع العملي، فالبورصة اليوم أمام تحديات متنوعة؛ أبرزها معالجة ملف السيولة على أكثر من صعيد، من جهة العمل على رفع قيمة التداول اليومية، مع الموازنة بين جودتها بالتوجه نحو الاسهم التشغيلية، لاسيما بالسوق الأول، بالتوازي مع إنعاش نفس الشريحة من الأسهم التشغيلية في السوق الرئيسي، الذي طالما لم تتجاوز تعاملاته 15 في المئة من إجمالي السيولة اليومية لبورصة الكويت، عبر تطبيق قواعد أوسع من الشفافية والتسويق والمنتجات والترقية للسوق الأول لهذه الشريحة من الأسهم المدرجة في السوق الرئيسي.ويمتد ملف معالجة السيولة إلى العمل مع المكونات الأخرى كهيئة أسواق المال وشركة المقاصة الى السعي لرفع قيمة سوق الكويت وترقيته في المؤشرات الدولية، خصوصا بعد الحصول على ترقيات السوق الناشئ على لوائح مؤشرات فوتسي راسل وستاندرد آند بورز ومورغان ستانلي، وهذه مسألة تتطلب بالتوازي، مع تحفيز الأموال الاجنبية، تسويقا للبورصة محليا؛ عبر جذب ودائع القطاع الخاص في البنوك الكويتية المملوكة لشركات او مؤسسات حكومية مستقلة والبالغة قيمتها، حسب بيانات بنك الكويت المركزي في يوليو الماضي، نحو 37.4 مليار دينار، فالأموال الأجنبية رغم فائدتها المباشرة في البورصة لا تخلو من حساسية ومخاطر تتعلق بسخونتها وإمكانية تنقلها بين الأسواق، الأمر الذي يجعل التسويق المحلي لبورصة الكويت بغرض الاستثمار في الفرص المجدية لا دعم الاسعار، أمراً مطلوباً ومن المهام الاساسية لشركة بورصة الكويت.تطوير الأدوات
لا شك في أن ملف الأدوات المالية يعد واحدا من التحديات الشائكة في بورصة الكويت، ربما تطلب الأمر اعادة قراءة مشهد التداول في الأدوات المالية، لا سيما البيع على المكشوف وإقراض واقتراض الأسهم ونظام الريبو من خلال إعادة تشغيل الأدوات المالية الدارجة تقليديا في بورصة الكويت مثل الأجل -الموقوف منذ 3 سنوات- قبل التوسع في أدوات تبدو معقدة بالنسبة لطبيعة تعاملات بورصة الكويت، التي يغلب عليها الطابع الفردي اكثر من المؤسسي. إن انتقال ملكية البورصة من القطاع العام الى الخاص ليس نجاحا بحد ذاته، فالنجاح هنا يتعلق بمدى رفع جودة الخدمة وتوطين السيولة، وجعل أسواق المال وعاء للاستثمار والتمويل، ورفع مهنية السوق وجذب الاستثمارات الاجنبية وغيرها من الخدمات التي تحقق للاقتصاد والمستثمرين قيمة مضافة.