عن الأوبئة واللقاحات أتكلم
الآن ومع العودة التدريجية ﺇلى مواقع العمل المختلفة، وفي وقت بدأت فيه الحياة بالعودة ولو بملامح ضبابية من سابق عهدها في مفاصل الدولة المختلفة، تجد آثار كورونا ما زالت مرسومة ليس على ملامح الناس فحسب بل على أرواحها من الداخل كذلك، فالنفسيات والشخصيات أصبحت أشباه تلك التي على عهدها. ما زال شيء من الخوف يرتاب الجميع وبالأخص من فئة المستمعين للفتاوى النصية التي يتم ﺇرسالها وبشكل يومي عن طريق الرسائل النصية التي لا تحمل مصدراً سوى كلمة (منقول)، فالوباء قد فعل فعلته وترك بصمته على الأنفس البشرية قبل أجساد الناس وأجهزتها المناعية، وما زال وباء كورونا الذي اجتاح المعمورة تاركاً بصمته على حديثنا وعلى "سوالفنا" ولو بشكل مخفف الآن بالمقارنة بمطلع العام الجاري، لكنها ليست المرة الأولى التي تتصدى البشرية وتقدم أرواحاً كشهداء في حرب فيروسية ضد وباء أو ابتلاء غير مرئي أو مجهول. بالفعل، لم تكن هذه المرة الأولى التي كانت البشرية في مواجهة مباشرة مع وباء أو جائحة، فما بين سنة 165 ﺇلى 1351 ميلادية، مر على هذا الكوكب الأزرق الصغير "كوكتيل" من الأمراض والفيروسات كالجدري، والحصبة وبكتيريا الطاعون الأسود Yersinia Pestis Bacteria المعدية والمنقولة من الجرذان ليصل تعداد الوفيات الإجمالي منها كلها ما يفوق 250 مليون نسمة من شتى بقاع الأرض، أما ما يخص وباء الكوليرا، فقد أتى على شكل ست موجات من سنة 1817 ﺇلى 1923 ليخلف وراءه أكثر من مليون نسمة من الضحايا. وبنظرة سريعة على شريط زمن الأوبئة والجوائح، نجد أن كلاً من الإنفلونزا الروسية والإسبانية والآسيوية قد خلفت وراءها أكثر من 50 مليون قتيل ﺇلى سنة 1958 ميلادية، وبحسب ﺇحصائيات جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University فإن تعداد ضحايا كورونا من أواخر 2019 ﺇلى تاريخ 17 أغسطس 2020 قد بلغ 776 ألف قتيل، ويزدادون عن ذلك قليلاً مع التحفظ على تسمية مصدر الفيروس نفسه أو اسم الحيوان الناقل للمرض الذي يعتبر حلقة الوصل مع الإنسان.
ومع ذلك يبقى الإنسان ويلملم شتاته ويتغلب على هذا كله متسلحاً بالعلم والمعرفة دائماً وأبداً، فالأوبئة واللقاحات دائماً ما تكون سلاح البشرية في التغلب على تلك الأمراض. فقد برع قدامى الإمبراطورية الصينية في إعطاء جرعات بسيطة من الجدري المائي كنوع من اللقاح ضد ذلك الوباء الملعون، ليأتي العالم "ﺇيدوارد جينير" في عام 1796 ويستخدم جرعات من جدري البقر أيضاً كلقاح، ومع تسارع الثورة العلاجية في عالم دراسة البكتيريا والفيروسات، أصبح لدينا كبشرية أسلحة نواجه بها الأوبئة والأمراض، وهي على شاكلة معايير وبروتوكولات للفحص والتجارب ودراسة الآثار الجانبية لها مع مرور الزمن. كل هذا الكم الضخم من المعلومات وذخيرة العلم والمعرفة بما فيها الجيل الجديد من اللقاحات المطعمة بالحبيبات ذات المقاييس النانومترية 10-9 من المعادن والأكاسيد، لن يتم نسفه برسالة مصورة من مصدر مجهول تم تناقلها عبر تطبيق الواتساب!! فالناس تعلم أن تطوير اللقاحات مسألة مطولة وتأخذ جهداً بحثياً وعملياً طويلاً جدا، ولن ينسف هذا كله مجموعة شائعات عن هذا اللقاح أو ذاك، ناهيك عن نظريات المؤامرة التي ترسم الابتسامة على وجهي أنا شخصياً في كل مرة.سيأتي يوم ويكون كورونا مسألة من الماضي والذكريات ونقطة نقاش في تاريخ البشرية، فلا تساهم في نقل الرسائل التي يراها العلماء والباحثون أنها مضحكة ومضيعة للوقت، فاعلم أن هناك حرباً إعلامية ضد اللقاحات من مصادر وشركات عدة، فكل ما عليك أن تعرفه هو أن اللقاح قد تمت تجربته وإعطاؤه الضوء الأخضر ليدخل مراحله التسويقية. غير ذلك فقد أصبحت أنت يا من تؤمن بنظريات المؤامرة ومن ينقل رسائل لا أصل لها في العلم، جزءاً من منظومة لا تخدم أي مجتمع البتة. على الهامش: أقول لكل شامت فرح بالشكاوى على المغردين، اعلم أن القانون الذي طُوّع لسجن أبناء الكويت ويترك غيرهم من دول أخرى أحرارا طلقاء ويحبس الغصة في نفس كل مواطن حر لا يستطيع أن يَرد على صفاقات أصحاب أنصاف العقول من ببغاوات التواصل الاجتماعي، إنما هو قانون أعوج وملوي العنق وسيستخدم ضدك في يوم ما. وقتها ستندم لكنك لن تجد من يقف معك لأن أحرار القول محكومون بسبب "تغريدة" أو رأي كتبوه باستخدام جهاز محمول مكسور الشاشة ومتهالك.