وسائل الإعلام الصينية توسّع طموحاتها في أوروبا
لجأت بكين إلى أداة جديدة لكسب الأصدقاء والتأثير على الناس في عاصمة الاتحاد الأوروبي، فقررت فتح مقر إعلامي جديد لواحدة من أكبر القوى الإعلامية الصينية المملوكة للدولة.تفكر "مجموعة الصين للإعلام" بفتح مكتب أوروبي لها في بروكسل وفق مصادر مقرّبة من الشركة.تُعرَف هذه المجموعة أيضاً باسم "صوت الصين" وتشكّل منظمة جامعة لـ"شبكة تلفزيون الصين الدولية" المملوكة للدولة و"إذاعة الصين الدولية" التابعة لها.
نشأت المجموعة في مارس 2018 بعد دمج "تلفزيون الصين المركزي" و"شبكة تلفزيون الصين الدولية" و"إذاعة الصين الدولية" و"إذاعة الصين الوطنية". لن تكون هذه الخطوة الأولى من نوعها في أوروبا، لكن تأمل المجموعة الصينية أن تكون العملية أكثر سلاسة هذه المرة.فتحت "شبكة تلفزيون الصين الدولية" مركزاً أوروبياً لها في لندن منذ سنتين قبل أن تصبح في مرمى نيران هيئة البث البريطانية "أوفكوم" التي اعتبرت عمل الشبكة مخالفاً لقواعد البث في مناسبات متعددة. تواجه الشركة العقوبات على خلفية بثها لاعتراف قسري من الصحافي البريطاني بيتر همفريز وتقارير منحازة متكررة عن الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية في هونغ كونغ.تحاول "مجموعة الصين للإعلام" زيادة نفوذها في بروكسل خلال فترة حساسة في عاصمة الاتحاد الأوروبي التي تعثرت في جهودها الرامية إلى التصدي للضغوط الدبلوماسية الصينية المتصاعدة في الأشهر الأخيرة.في شهر أبريل تعرضت "الدائرة الأوروبية للعمل الخارجي" (جناح السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي) لهجوم قوي بعد انتشار تقارير مفادها أنها خففت نبرتها في تقرير عن حملة التضليل الصينية بعد تدخل السفارة الصينية في بروكسل.استُدعي الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي حيث أنكر رضوخ "الدائرة الأوروبية للعمل الخارجي" لإرادة بكين، كما أنه أصرّ على اعتبار التشاور مع السفارات طريقة طبيعية لإطلاق الجهود الدبلوماسية وتكلم عن وجود "منشورَين مختلفَين لجمهورَين مختلفَين". لكن لم يكن ردّه كافياً لتهدئة الأجواء، لا سيما بعدما تبنّت الصين خطاباً أكثر عدائية تجاه أوروبا في محاولة منها للتصدي لحملات لومها على انتشار فيروس كورونا في العالم. في غضون ذلك، ينشغل الاتحاد الأوروبي أيضاً بمشاورات عامة متواصلة حول طريقة تنظيم الشركات غير المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي إذا كانت تتلقى تمويلاً من الدولة وتنشط داخل الاتحاد. اقترحت المفوضية الأوروبية في أحد تقاريرها أن تمنح نفسها الصلاحيات اللازمة للتحقيق بالشركات الأجنبية وفق القوانين المستعملة للتدقيق بشركات الاتحاد الأوروبي.إلى حين تطبيق تلك التنظيمات ستحصل "مجموعة الصين للإعلام" على هامش أوسع للتحرك في العاصمة نظراً إلى تراجع متطلبات الشفافية حول حجم التمويل الذي تتلقاه من الحكومة الصينية. من خلال الانتقال إلى بروكسل، قد يتمكن الإعلام الصيني من ترسيخ مكانته في عاصمة الاتحاد الأوروبي وقد تؤثر الشركة الإعلامية على النقاشات الحاصلة.إنه جزء من مساعي "مجموعة الصين للإعلام" لتلميع صورتها لأن سمعة "شبكة تلفزيون الصين الدولية" التابعة لها تضررت في أنحاء العالم. في بريطانيا، قد تخسر القناة رخصة البث بسبب أحكام "أوفكوم"، فقد أعلن متحدث باسم هيئة البث البريطانية أيضاً إطلاق تحقيق حول ثلاث شكاوى إضافية ضد برامج تعرضها "شبكة تلفزيون الصين الدولية" بسبب مخالفتها لمبادئ العدل والخصوصية. ردّت الشبكة على أحكام الهيئة البريطانية عبر التعبير عن "خيبة أملها" وأكدت مسؤوليتها عن تقديم الآراء ووجهات النظر الصينية في تقاريرها الإخبارية، وهو ما يتوقعه مشاهدو القناة.بالإضافة إلى انتهاك التنظيمات في بريطانيا، اعتُقل المذيع تشنغ لي الذي يحمل الجنسية الأسترالية ويعمل في "شبكة تلفزيون الصين الدولية" حين كان في الصين حديثاً، تزامناً مع تصاعد الاضطرابات بين كانبيرا وبكين بعد إقدام أستراليا على اعتبار الصين السبب في انتشار فيروس "كوفيد-19".وفق أحد العاملين في "شبكة تلفزيون الصين الدولية"، من غير المتوقع أن تلحق الشبكة "مجموعة الصين للإعلام" إلى بروكسل راهناً، علماً أنها تملك استديوهات كبيرة في بكين وواشنطن ونيروبي. وإذا قرر البث التلفزيوني في نهاية المطاف أن يلحق "مجموعة الصين للإعلام" ببروكسل ويفتح استوديو له هناك، ستنشأ بذلك أول قناة إخبارية تلفزيونية غير بلجيكية في عاصمة الاتحاد الأوروبي. يقع مقر قناة "يورونيوز" في "ليون" الفرنسية و"دويتشه فيله" في "بون" الألمانية، وتقوم قنوات أميركية مثل "سي إن إن" و"إن بي سي" بنشاطاتها الأوروبية خارج لندن.ستكون أي خطوات إضافية باتجاه بروكسل جزءاً من مساعي الحكومة الصينية لجعل وسائل الإعلام التابعة للمجموعة تخدم مصالح الحزب الحاكم عبر عملها، لكن لا يظن الجميع أن وصول شركة إعلامية صينية عملاقة إلى بروكسل يدعو إلى القلق.يقول برنارد ديويت، رئيس غرفة التجارة البلجيكية الصينية: "أنا شخصياً مقتنع بأن معظم الصحافيين الصينيين جدّيون جداً، وهم يحاولون القيام بواجباتهم بأصدق طريقة ممكنة. كلما توسّع وجود الإعلام الصيني في بروكسل، سيتعرف الرأي العام الصيني على أوروبا بطريقة أفضل".* «جاك باروك»