اكتشاف آثار أقدام في السعودية تعود لحوالي 120 ألف سنة
• الدليل الأول على أقدم وجود للإنسان في شبه الجزيرة العربية
اكتشف باحثون في شمال السعودية أخيراً آثار أقدام بشرية وحيوانية عاشت في المنطقة قبل حوالى 120 ألف سنة، ما يوفر معلومات جديدة عن الطرق التي سلكها الأسلاف مع تمدد الإنسان إلى خارج القارة الإفريقية، ويشكّل، بحسب مسؤول حكومي سعودي، "الدليل الأول على أقدم وجود للإنسان" في شبه الجزيرة العربية.وعرض الباحثون في دراسة نشرت نتائجها مجلة «ساينس أدفانسز» الأربعاء، تفاصيل المشهد المكتشف في الموقع، حيث يبدو أن مجموعة من الأسلاف من جنس الإنسان العاقل توقفوا لشرب الماء والبحث عن العلف عند بحيرة ضحلة كانت ترتادها أيضاً الجمال والجواميس والفيلة بحجم أكبر من أي جنس موجود في العالم حالياً.وأوضح الرئيس التنفيذي لهيئة التراث السعودية جاسر الحربش خلال مؤتمر صحافي عقده في الرياض الأربعاء أن "فريقاً سعودياً دولياً مشتركاً" وراء الاكتشاف.
وأوضح أن آثار الحوافر الحيوانية تعود إلى "جمال وفيلة وحيوانات مفترسة" وحيوانات من فصيلتي الوعول والبقريات، مشيراً إلى أن "البحيرة القديمة الجافة" تقع "على أطراف منطقة تبوك".وبحسب الدراسة، قد يكون البشر هؤلاء اصطادوا الحيوانات الضخمة لكنهم لم يبقوا طويلاً في الموقع الذي استخدموه نقطة للتزود بالمياه للصمود في رحلة أطول.وتضم منطقة شبه الجزيرة العربية حالياً صحاري شاسعة وجافة ما كانت لتشكل موقعاً ملائما للعيش لأسلاف البشر والحيوانات التي كانوا يصطادونها.غير أن البحث الذي أجري على مدى العقد الماضي أظهر أن الوضع لم يكن كذلك على الدوام، إذ كانت المنطقة تضم مساحات خضراء مع رطوبة أكبر خلال آخر حقبة تعرف بفترة ما بين الجليدين.وشدد الحربش على أن الاكتشاف الذي وصفه بأنه "جديد ومهم"، "يقدم لمحة نادرة عن بيئة الأحياء أثناء انتقال الإنسان لهذه البقعة من العالم".وأوضح الباحث في جامعة «رويال هولواي» الإنجليزية ريتشارد كلارك ويلسون وهو أحد معدي الدراسة "خلال فترات معينة في الماضي، كانت الصحارى التي تهيمن على المشهد الداخلي في شبه الجزيرة العربية تتحول إلى مراع خضراء شاسعة فيها تزود دائم بمياه البحيرات والأنهر".وقال المشرف الرئيسي على الدراسة ماثيو ستيوارت من معهد «ماكس بلانك» للبيئة الكيميائية، إن آثار الأقدام اكتُشفت خلال عمله الميداني المرتبط بتحصيله الأكاديمي لنيل شهادة الدكتوراه سنة 2017، إثر تآكل الرواسب العلوية عند بحيرة قديمة تسمى بحيرة الأثر. وأضاف "آثار الأقدام تشكّل دليلا متحجرا فريدا لكونها تزود بلمحة عن لحظة محددة من الزمن عبر تصويرها ما كان يحصل خلال ساعات أو ايام، وهو ما لا نحصل عليه عموما بالاعتماد على بيانات أخرى".وجرى تأريخ الآثار عن طريق تقنية تقوم على الإضاءة على حبيبات الكوارتز وقياس كمية الطاقة المنبعثة منها.وفي المجموع، صنف سبعة من أصل مئات الآثار المكتشفة على أنها لأسلاف من أشباه البشر، بما فيها أربعة آثار جرى تفسيرها على أنها لشخصين أو ثلاثة كانوا يسافرون سويا، نظرا إلى تطابق وجهتها والمسافات الفاصلة بينها والفروق في الحجم.ويرى الباحثون أن هذه الآثار تعود لبشر معاصرين لناحية صفاتهم التشريحية، خلافا لإنسان نياندرتال، على قاعدة أن أسلافنا المنقرضين لا يُعرف عنهم وجودهم في منطقة الشرق الأوسط في تلك الحقبة، وبالاستناد إلى التقديرات بشأن وضعية الوقوف والوزن المرتبطة بآثار الأقدام.وقال ستيوارت "ندرك أن البشر كانوا يزورون البحيرة في الوقت نفسه لارتياد الحيوانات لها، كذلك لا وجود لأدوات حجرية في أمر غير اعتيادي لهذه المنطقة".وأضاف "يبدو أن هؤلاء الأشخاص كانوا يزورون البحيرة طلبا للموارد المائية وللعلف في الوقت عينه لمجيء الحيوانات"، وكانوا يقصدون على الأرجح المكان لاصطياد الحيوانات أيضا.كما أن الفيلة التي باتت منقرضة في منطقة المشرق منذ حوالى 400 ألف سنة، شكلت طريدة محببة لهؤلاء الأسلاف، فيما يدفع وجودها أيضا إلى الاعتقاد بوجود موارد مائية ونباتية كثيرة أخرى في الموقع.وإضافة إلى آثار الأقدام، عثر على 233 متحجرة، ويبدو أن الحيوانات اللاحمة كانت تظهر اهتماما بتلك العاشبة في بحيرة الأثر، على غرار ما نشهده في غابات السافانا الإفريقية في أيامنا هذه.وشرح الحربش أن الأحافير "تُمثل بقايا عظمية للفيلة والمها".ومن المعلوم أن البشر الأوائل تمددوا إلى أوراسيا عن طريق جنوب اليونان والمشرق، مستغلين الموارد الساحلية على طريقهم، غير أن البحث الجديد يظهر وجود "طرق داخلية سُلكت تبعا لمناطق انتشار البحيرات والأنهر، ربما كانت ترتدي أهمية خاصة".وأوضح المعد الرئيسي للدراسة مايكل بتراليا من معهد ماكس بلانك لعلم التاريخ البشري أن "وجود حيوانات ضخمة كالفيلة ووحيد القرن، في موقع واحد يضم مراع شاسعة وموارد مائية كبيرة، جعل ربما شمال شبه الجزيرة العربية منطقة ذا جاذبية خاصة للبشر خلال ترحالهم بين إفريقيا وأوراسيا".واعتبر الحربش أن الاكتشاف يمثل "الدليل العلمي الأول على أقدم وجود للإنسان على أرض الجزيرة العربية"، و"يعكس عمق تاريخ" هذه المنطقة "ومدى إسهاماتها الحضارية في التاريخ".