لا تجديد انتماء
إقامة الوافدين شغلت حيزا كبيرا في الآونة الأخيرة، وتركت معها الكثير من علامات الاستفهام غير المبررة! وكم يحزنني خلط مفهوم الولاء بالانتفاع أو الانتماء بالاستغلال! فمسألة الإقامة مسألة عيش وملح، وعشرة ووطن لمن لا يفقه معنى الدم والانتماء، وهي مسألة إنسانية بحتة لا دخل لها بكاهل الدولة ولا ميزانيتها أو تركيبتها السكانية! هو شرف يزيدني فخرا أن يكون بلدي وطنا لمن لا وطن له، وفضل أن أستضيف على أرضي من لا يعرف غير الكويت أهلا ولا مكانا ولا سكنا! وليس لنا الحق في التفضل والمنة بهذا الشأن بالتحديد، وليس منطقا ولا عقلا جحود شريحة ما عرفت انتماء وحبا لغير الكويت. انفعالي ليس من فراغ، ولا فزعة على غير «سنع»، أعرفُ أناسا ولدوا وترعرعوا ونشؤوا على هذه الأرض الطيبة، لا يعرفون بلدانهم إلا بالصور، ورُبما على هيئة روايات كان يحكيها لهم جدهم قبل وفاته، وخطت أقدامهم لأول مرة على هذه البقعة، وما عرفوا نشيدا وطنيا غير «وطني الكويت سلمت للمجد»، ينشدونه بأعلى أصواتهم حُبا وولاء يغمرُ وجوههم اليافعة.
كبروا وفي قلوبهم أمنيات وأحلام شيّدوها على أرض الكويت، ولا تخلو بيوتهم وأدراجهم من أعلام وشعارات كويتية، حتى في المباريات يشجعون الكويت وإن كان الفريق الضد هو بلدهم، لأنهم ما عرفوا غير الكويت بلدا، ولا غير هوائها هواء، ولا دونها وطنا! هل يعقل أن أمنع ابن هذا التراب أن تطأ قدماه بعد عِشرة عمر وانتماء وولاء انبثق من قلبه وروحه إزاء الكويت الحبيبة؟ بالله أين المفر؟ قَالَ الله تَعَالَى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى»، وقيل: «من فضل الله عليك حاجة الناس إليك». فأن أحمل جنسية أرض خصّها الله بالرزق والنعم لا يعطيني أحقية تقنين العطاء وتسريح فئات بحجة تعديل التركيبة السكانية. هنالك إنسانية تقفُ بين ملفاتكم وقضاياكم، وكل تلك المواضيع التي طُرحت ولم تُطرح بعد، إنسانية تجعلني عاجزة عن استيعاب قرار كهذا، وشيء آخر في فطرتي يجعلني أرفض أي لهجة أو رسالة تحمل في طيّاتها منّة وفضلا! أيا كان المرجو من هذا القرار اللإنساني، إن أعطاك الله شيئا، فإن البركة في بقاء الرزق هي مشاركته، وإن أحسّنت إلى أحدهم فلا تذكر إحسانك أبدا، والأرض كلها لله، نحن جميعنا زوار سواء كنا جنسية أولى أو عاشرة! وللوافدين جميعا أقول: أنتُم أهل لنا، نرتقي وننهض بكم ومعكم.