ناجي الناجي: الكتابة تشبث بالحياة وإماطة للثام عن الطغاة

الروائي الفلسطيني أصدر «سماء وسبعة بحور» عن قضية اللاجئين وهموم المنفى

نشر في 21-09-2020
آخر تحديث 21-09-2020 | 00:03
يكتب المستشار الثقافي في السفارة الفلسطينية بالقاهرة، الروائي الفلسطيني ناجي الناجي، شهادة غير مسبوقة عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين عبر روايته الصادرة حديثًا بعنوان "سماء وسبعة بحور"، حيث يغوص القارئ معه في تجلّيات تجارب المنافي وبحر الهموم الممتد من فلسطين إلى دمشق الحزينة وبيروت الثكلى وبودابست وتونس والقاهرة، وعبر عواصم العالم.
وحول الرواية، ومسيرة الكاتب، والأدب الفلسطيني، التقت "الجريدة" ناجي الناجي في الحوار التالي:
● ناجي الناجي يكتب شهادة غير مسبوقة ضد الاحتلال، وانتصارا للحياة، ماذا تقول في شهادة مبدع تحمل أنامله الكلمات لكتابتها؟

- الاحتلال يقتحم نصوصنا كما أرضنا، عندما نحاول الكتابة عن الحياة اليومية أو المشاعر الإنسانية أو تفاصيلنا العادية، نجد وجه الاحتلال البغيض يطلّ في شتّى مجالاتنا، في الحب والحياة والتعلّم والعمل، في العلاقة مع الطبيعة والشجر والسماء، مع الشمس التي يحاول جدار فاصل حجبها، حتى عندما حاول البعض الابتعاد جفرافياً كي يتخلص من سطوة الاحتلال على النص، وجد أن البُعد في حد ذاته من فعل ذاك الاحتلال، لذا عندما أكتب ويكتب غيري عن الحياة العادية للفلسطيني فهو يميط اللثام عن أوجه الطغاة، بما يرسخّ الكتابة كفعل مقاوم وتشبث بالحياة التي نستحق.

ترنيمة المكان

● هل أطلعتنا على بداياتك الإبداعية، وما التحديات التي واجهتها، وكيف تغلّبت عليها؟

- بدأت الكتابة في مجال المسرح، وكانت لي تجربتان في الكتابة المسرحية، هما "قيثارة من رخام" و"زعتر قرمزي"، غلب عليهما التجريب وحماسة البدايات، ثم بدأت الكتابة في عدد من الدوريات العربية، وكنت أقدّم عروضاً لعدد من الكتب في الأدب والفكر، وبدرجة أقل في السياسة، كما قدّمت البرنامج الإذاعي الثقافي "أمسى المساء"، واشتبكت مع إشكالات العمل الثقافي الفلسطيني والعربي في الخارج، التحدي الأهم الذي كان بالنسبة لي هو المكان، كان يؤرقني للغاية عدم قدرتي عن التعبير عن البلاد مكانياً من خلال نصوصي، كنت أكتب عن المخيم واللجوء والمنافي والتفاعلات المجتمعية والمكنون النفسي لشخصيات العمل، ثم أصطدم ببعدي المكاني عن الوطن، والذي يكبح القلم، فكانت المجموعة القصصية "ترنيمة إلى الضفة الأخرى".

الآني والذاتي

● تتناول روايتك "سماء وسبعة بحور" أحداثاً لها علاقة مباشرة بالواقع، والتحولات الأيديولوجية، هل اختيارك للموضوع والشخصيات ينبع من التزامك الأخلاقي، وإيمانك بدور الكاتب في المجتمع؟

- ليس التزاما أخلاقيًا، بل واقع مرير ومجتمع دولي مبنية تفاعلاته على شريعة الغاب، في عالم مثل هذا أمامنا خيار من اثنين، إما الانصراف إلى الآني والذاتي، أو الإبقاء على التصوير الأفقي للمشهد، شخصيًا لم أختر بمشيئتي، وإنما تكويني وتجربة حياتي القصيرة نسبياً أدت إلى الاشتباك مع فوضى المعاني الكبيرة، والخطابات الشمولية التي أضاعت بين ثناياها تفاصيل الحياة اليومية، تفاصيل حيوات شخوص الرواية أكبر من الأيديولوجية، وأكثر رسوخًا وبقاءً، في الرواية عانى الراوي من الاحتلال، بينما عانى البطل الموازي "زياد" من الأمل الذي تاجرت به كل الخطابات، والأيديولوجيات حتى أيقن أنها سراب يتلاشى مع أول انبلاج ضوء.

أصوات أدبية

● مبادرة نكتب لنحيا، ما الذى أضافته للمثقفف بفلسطين؟

- نكتب لنحيا، كانت مبادرة منذ سنوات لاكتشاف الأصوات الأدبية في المخيمات وأماكن الشتات الفلسطيني، ونشرت بالفعل إلكترونيًا عدداً من الأعمال القصصية والشعرية لكتاب فلسطينيين، ثم تطورت باقتراح من الفنان الراحل نور الشريف للبدء بتحويل المكتوب إلى مرئي بإنتاجات منخفضة، هذا الطموح لم يكتمل لإشكالات الإنتاج في المنطقة، واشتراطات الممول التي تتناقض مع حماسة وصدق وبراءة النصوص الأولى للكاتبات، والكتاب الذي كان عدد منهم أقل من 18 عامًا.

ترويج الاحتلال

● برأيك هل يتأثر أديب فلسطيني يعيش أجواء النكبة ويسبح في بحر المعاناة، ويتعرض للتهميش والإقصاء والملاحقة والسجن بأدب المحتل؟

- من الصعب للغاية أن يتأثّر أديب فلسطيني بذلك، ثمة معركة حقيقية حول الرواية، الاحتلال يحاول تدليس، واختلاق رواية وترويجها، يتكئ في ذلك على الميثولوجيا وتقويل الرب ما لم يقل، أي الاستناد على الغيبي كلّما أراد تجذير روايته، كما يحاول الإغراق في التفاصيل الحياتية في أدبه الجديد، لكنّه لديه أزمة كبيرة تكمن في انكشاف زيف الزمان، والاختباء وراء الأسطورة أمر مكشوف في مقابل رواية فلسطينية راسخة تستند إلى تاريخ لا يمكن طمسه، بالرغم من كل الأساليب التسويقية الحديثة التي يحاول الاحتلال تبنيها في العالم بأسره، لكن التاريخ لا يباع ولا يشترى، وإن ذهبنا إلى المحاججة على أسس الخرافة، فلكل كائن على هذه البسيطة روايته الخاصة، الأمور أكثر وضوحًا مما تحاول رواية الاحتلال ترويجه.

تراجيديا وطنية

● في زمن القتل والتشريد والحروب الأهلية والطائفية، أي دور يمكن أن يلعبه الأدب في إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

- في هذا السياق نستطيع الحديث عن مسارين؛ أدب الحروب الذي يوثّق لما دار أثناء الحروب والمجازر والانتصارات والانكسارات، وقد بدأت منذ أن كتب هوميروس الإلياذة والأوديسا، وساد التهويل والأسطرة على الشخوص والأحداث، وفي مرحلة لاحقة كانت محاولات بناء تراجيديا وطنية ملاحم بطولية، وصولا إلى تحوّل التعاطي مع الحروب العبثية بنوع من الفانتازيا مثل ما رصده هيغل وسرفانتس وستاندال، وبدأ التضاد يبرز بين مدرستين، واحدة تغرق في تعظيم الذات القومية كتولستوي، مقابل مدرسة تقلل من الخطاب الدعوي للحروب، ومنها تروجنيف وديستوفسكي اللذان أسّسا أدباً يعد نواة لجبهة ثقافية مناهضة للحروب، الأمر ذاته سار في الحربين العالميتين الأولى والثانية، رواية للتوثيق، وأخرى للمناهضة، وثالثة للتعظيم والتهويل، فلسطينياً وعربياً كانت الرواية التي تفتش نحو ما حدث في النكبة، أو في المسار الآخر، وهو أدب ما بعد الحرب، فكتب غسان كنفاني "رجال في الشمس"، ورضوى عاشور "الطنطورية"، في زمنين مختلفين، بينما سبر إيميل حبيبي وجبرا نفوس فلسطيني ما بعد النكبة، وإن حاولنا الاستناد إلى التأصيل لمفهوم الأدب، أستطيع القول إن الدورين مهمّان ورئيسان، التوثيق والاستشراف، الرصد والتوقّع، التجذير والتفرّع.

درويش جديد

● لماذا أصبح صوت الشاعر الفلسطيني خافتا بعد رحيل محمود درويش، وهل ننتظر ولادة درويش جديد؟

- لا أتفق مع هذا التشخيص، وأعتقد أن الشعر الفلسطيني لا يزال بخير، أسماء ومدارس متعددة لا تزال تكتب يومياً، قد يكون شعر اليوم ليس بحماسة شعر الأمس لاختلاف المرحلة وطرق التعاطي مع القضية الفلسطينية، اليوم الأنسنة تطغى على الخطاب والشعار، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الصوت قليلًا، وهو ما لا يعني بالضرورة تراجع جودة الشعر، أما محمود درويش فهو قصة أخرى، ليس شاعرًا عاديًا، ولا يولد مثله كل يوم، درويش كان مجددا حداثياً في الشعر بشكل عام لا الشعر العربي فحسب، لذا فإنّ ربط ولادة شعراء عرب جدد بالمقارنة بدرويش ظلم لتلك التجارب، درويش استثناء نتمنى أن نرى مثله كثيرًا، لكننا نعلم أنه ليس بالأمر اليسير، في المقابل ثمّة أصوات شعرية عربية وفلسطينية متميزة تصعد كل يوم.

منابر كويتية

● هل تقرأ للأدباء الكويتيين، ومَن منهم شد انتباهك؟

- بالطبع قرأت لليلى العثمان التي نعدّها نصف فلسطينية، وكذلك "أبو الرواية الكويتية المعاصرة" إسماعيل فهد إسماعيل، ومن الجيل التالي فإن تجربة سعود السنعوسي لافتة ومهمة.

● ما المشروع الإبداعي الذي تعكف عليه الآن؟

- بدأت التحضير للعمل الروائي القادم، يأخذ وقته كما يشاء ولا أستعجله، مرحلة التحضير في الكتابة التاريخية لا تقل أهمية عن مرحلة الكتابة.

الشعر الفلسطيني لا يزال بخير لكن مثل درويش لا يولد كل يوم
back to top