لايزال الفرقاء في لبنان يسعون لإنهاء خلاف يعرقل تشكيل حكومة جديدة، ويُهدّد مسعى فرنسياً لإخراج البلد من أسوأ أزماته، خصوصاً بعدما انقضت في 15 الجاري مهلة تم الاتفاق بشأنها مع باريس لتشكيل هذه الحكومة، وجرى تمديدها على أساس أن المهلة ليست مقدسة بقدر أنها تحذير للقوى السياسية بضرورة عدم إضاعة الوقت. وبينما لاتزال الأمور عالقة عند مطالبة «الثنائي الشيعي»، أي «حزب الله» وحركة «أمل»، بحقيبة «المالية»، وتقارير عن اقتراح رئيس الجمهورية ميشال عون على «حزب الله» أن يسمي هو وزيراً للمالية بضمانته.
صعّد البطريرك الماروني بشارة الراعي، أمس، هجومه على الثنائي الشيعي، خاصاً هذه المرة الطائفة الشيعية بأكملها بكلامه، في خطوة تعكس تصاعد الخطاب الطائفي في البلد وسط صمت السياسيين الخائفين من العقوبات الغربية أو من التشويش على المبادرة الفرنسية أو غيرها. وفي قداس خصص لـ»شهداء المقاومة اللبنانية» في كنيسة سيدة إيليج في ميفوق، أمس، قال الراعي: «بأي صفة تطالب طائفة بوزارة معينة كأنها ملك لها، وتعطل تأليف الحكومة، حتى الحصول على مبتغاها، وهي بذلك تتسبب في شلل سياسي، وأضرار اقتصادية ومالية ومعيشية؟».وأضاف: «أين أضحى اتفاق القوى السياسية المثلث من أجل الإصلاح: حكومة إنقاذ مصغرة، وزراء اختصاصيون مستقلون ذوو خبرة سياسية، المداورة في الحقائب؟».وتوجه الراعي إلى رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب قائلاً: «ندعوك لتتقيد بالدستور، وتمضي في تأليف حكومة ينتظرها الشعب والعالم، فلا داعي للخضوع لشروط ولا للتأخير ولا للاعتذار. إن تحمُّل المسؤولية في الظرف المصيري هو الموقف الوطني الشجاع. فمن أيدوك فعلوا ذلك لتؤلف حكومة لا لتعتذر. فألف ودع اللعبة البرلمانية تأخذ مجراها». وتابع: «بالنسبة إلينا لسنا مستعدين أن نعيد النظر بوجودنا ونظامنا كلما عمدنا إلى تأليف حكومة. لسنا مستعدين أن نقبل بتنازلات على حساب الخصوصية اللبنانية والميثاق والديمقراطية. لسنا مستعدين أن نبحث بتعديل النظام قبل أن تدخل كل المكونات في كنف الشرعية وتتخلى عن مشاريعها الخاصة. لا تعديل في الدولة في ظل الدويلات أو الجمهوريات بحسب تعبير فخامة رئيس الجمهورية».
قبلان
في المقابل، وفي رد مباشر على الراعي، أكّد المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان أمس، «البلد ليس حكراً على أحد، والنظام السياسي حتماً فاشل، والتطوير حتماً ضروري، وما نطالب به سببه صيغتكم الطائفية التي أُسِّس لها من مضى بصيغته الطائفية، والتي مازلتم مصممين عليها، وأنتم بالخيار بين دولة مدنية للجميع أو دولة طوائف تتقاسم الدولة والناس، والشجاع الشجاع من يمشي بخيار الدولة المدنية بصيغة المواطن لا الطوائف. وما دامت الحصص على الطائفة فإننا نحكّم بيننا وبينكم مبدأ المعاملة بالمثل، ولن نقبل إلغاء طائفة بأمها وأبيها، بخلفية عصا أميركية وجزرة فرنسية».وغداة تمسك رؤساء الحكومات السابقين بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف، وجّه قبلان كلامه إلى الرئيس المكلف مصطفى أديب بالقول: «البلد والمنطقة جمر تحت الرماد، لذلك لا تلعبوا بالتوازنات، ولا تزيدوا أزمات هذا البلد لهيباً، لأن ما يجري في لبنان سببه حرب العالم في المنطقة، فيما واشنطن تخوض حرب أمركة لبنان وتهويده، وفي هذا السياق تحارب لبنان، وتعمل على تفخيخه من الداخل على قاعدة المال مقابل الاستسلام. خيارنا هو لا استسلام حتى لو اجتمع العالم على حصارنا ما دام موقفنا يرتكز على صميم مصلحة لبنان بكل طوائفه ومناطقه ومفهوم سيادته الحر والآمن».كرم
وفي السياق، غرد أمين سر تكتل «الجمهورية القوية» النائب السابق عن «القوات اللبنانية» فادي كرم عبر «تويتر» قائلاً: «لأن تركيبة لبنان غنية ومتنوعة فليس من حق أي فريق أن يسعى إلى فرض لونه أو إرادته كأنه اللاعب الوحيد، لا بالقوة العسكرية ولا بالقوة العددية، وإلا أدى ذلك الى انهيار الدولة».جميل السيد
من ناحيته، انتقد النائب جميل السيد رؤساء الحكومات السابقين ودعوتهم لأديب إلى التمسك بصلاحياته، ووجه الكلام لهم قائلا: «حكمتم ١٤ سنة واشتركتم بالمحاصصة والفساد مع غيركم، دعستم الدستور، واستغرق تشكيل حكوماتكم عدة أشهر، وتطالبون أديب بعكس ما فعلتم! منافقون».ووسط حراك مصري لافت في لبنان، يرى مراقبون أنه مواكب ومسهل للمبادرة الفرنسية، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال استقباله المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، أمس، ضرورة مواصلة تقديم المساندة والدعم اللازمين للمساهمة في تجاوز لبنان لأزمته الراهنة.وقال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية، إن شكري أكد «أهمية إعلاء المصلحة الوطنية اللبنانية، من أجل تلبية تطلعات الشعب اللبناني، والنأي به عن مخاطر الصراعات الإقليمية والتصعيد الذي تشهده المنطقة، وذلك عبر الإسراع في تشكيل حكومة على الأسس الدستورية، وبما يساعد على إعادة الاستقرار إلى لبنان، ويُعزز من قدرة المجتمع الدولي على دعم مؤسسات الدولة اللبنانية، وتقديم المساعدات اللازمة للبنان».