العراق: حملة محفوفة بالمخاطر لتفكيك شبكات المالكي ونصرالله المالية
قليل من الخبراء يمتلكون مهارة حل الشيفرة، التي تتحرك وفقها حكومة العراق، خلال حملة اعتقالات ممنهجة شملت حتى الآن نحو 20 مسؤولاً كبيراً، وأطاحت نحو 15 آخرين، واستبدلتهم بخبراء حسني السمعة. ويذكر العارفون بخريطة الاعتقالات أمرين: أولهما أن الحملات ستتواصل لتستهدف ألف شخصية كبيرة قبل الأول من أكتوبر المقبل، والثاني أن أبرز هؤلاء هم شبكة المال والمصالح، التي يديرها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وحلفاؤه في طهران وبيروت.لكن الأهم من ذلك هو مدى قدرة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي على الاستمرار في هذه الإجراءات، دون دعم من القوى المعتدلة داخل العراق وفي المنطقة، وهو الآن بلا داعم موثوق، حتى من حركة تشرين الاحتجاجية، التي مازالت تشك في أنه سيكمل ما بدأه.وتقول المصادر الحكومية إن أهم المعتقلين، الأسبوع الماضي، هم مشرفون على صفقات مالية ضخمة تضمنت فساداً، وهم في مناصبهم منذ عهد نوري المالكي، حيث ضمنوا له إدارة المصالح والنفوذ المالي، وأيضاً التسهيلات الإدارية والاقتصادية للحرس الثوري الإيراني وحزب الله لبنان، دون عوائق تذكر.
وتضيف المصادر أن عشرات القضاة عملوا على ملفات الفساد وأودعوها لدى المدعي العام طوال الشهور الماضية، وكانت بدرجة من الخطورة بحيث إن كبار القضاة لم يعرفوا كيف يتصرفون مع اتهامات واعترافات قد تطيح المئات من كبار المسؤولين الذين يمولون الحملات الانتخابية وجيوش الميليشيات وصفقات حزب الله اللبناني والمصالح الاقتصادية لإيران في العراق.وتوضح أن شبكة الفساد التي صنعها المالكي، والتي تتعرض اليوم لعملية تفكيك بطيئة لكن مؤثرة، أعاقت تطوير العلاقات العراقية-العربية، خصوصاً في مجال التعاون الاقتصادي والأمني، ورهنت العراق بيد ما يسمى محور المقاومة.ورحبت قوى تشرين، وهي حركة الاحتجاج التي ستمر ذكراها الأولى مطلع الشهر المقبل، بخطوات الكاظمي، لكن قادتها قالوا إنهم لن يفوضوا رئيس الحكومة ولن يوقعوا صكاً أبيض، إلا إذا كشف قتلة الناشطين والصحافيين. وسقط خلال احتجاجات تشرين نحو 30 ألفاً بين جريح ومعاق وقتيل، مما أدى إلى إطاحة حكومة عادل عبدالمهدي، ومجيء الحكومة الحالية.لكن الصالونات السياسية تتهم الكاظمي بأنه لن يكمل هذا الشوط، لفرط صعوبة المهمة، حتى لو كان مدعوماً من مرجعية النجف.ويقول منتقدو الكاظمي إنه يقوم بإجراءات تبقى سطحية لأنه لا يأمن من ردود الفعل، التي يعدها له خصومه، وهم يعلنون أنهم لن يستسلموا لذلك.وذكر رجل الدين عمار الحكيم، في تجمع شعبي علني ضم الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أن قواعد تشرين جعلت ما بعد تلك الأحداث لا يشبه ما قبلها، في إشارة إلى أن القوى السياسية المعتدلة تدعم الاحتجاجات.لكن بالمقابل، تشكك أطراف عديدة في هذا التقارب السياسي مع حركة تشرين الشعبية، وتعده مجرد مناورة لن تقبل تحمل الثمن، مع استمرار القمع للناشطين وعجز الحكومة عن توفير الحماية اللازمة لهم.وأمر الكاظمي بمنع جنرال بارز متهم بقتل الناشطين من السفر ليل الأحد، وأعلن أنه سينشئ نصباً تذكارياً في بغداد ومدينة الناصرية، تخليداً لضحاياهم، في محاولة واضحة منه للتحالف مع قوى الحراك.