يواجه الزعيم البلغاري الشعبوي بويكو بوريسوف ثورة شعبية لن تتلاشى في أي وقت قريب، فمنذ أكثر من شهرين نزل آلاف البلغاريين إلى شوارع العاصمة "صوفيا" للمطالبة باستقالته، حيث يستنكر الناس فشل الحكومة في معالجة الفساد المستفحل وتداعيات الجريمة المنظمة وغياب أبسط معايير الديمقراطية.ردّ بوريسوف ومساعدوه على الاستياء العارم عبر التمسك بالسلطة، وفي ظل غياب أي تقدم فعلي رغم تصاعد الضغوط طوال أسابيع، حان الوقت كي توضح أوروبا دعمها للشعب البلغاري ومطالبه بإرساء ديمقراطية حقيقية واتخاذ خطوات ملموسة لمساعدته في تحقيق هذا الهدف.
أنشأ بوريسوف نظاماً تتعدد فيه معالم دولة الحزب الواحد، فدمّر المعارضة السياسية المحلية عبر استعمال أسلوب الترهيب على نطاق واسع ونشر الفساد داخلياً وتسود ادعاءات حول إقدامه على شراء نسبة هائلة من الأصوات في مختلف المناطق. كذلك، رسّخ الحزب الحاكم، "مواطنون من أجل التنمية الأوروبية في بلغاريا"، نفوذه تدريجاً على حساب الديمقراطية والتنمية.يستعمل بوريسوف وجهازه السياسي نسخة مخففة من تكتيكات الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، ويميل إلى طرح نفسه كزعيم شعبوي، لكنّ أساليبه استبدادية.تشمل بلغاريا أيضاً مجموعة من "الأوليغارشيين" الأثرياء، بما في ذلك ديليان بيفسكي الذي يسيطر على قطاع الإعلام في أنحاء البلد، حيث يكون دعم بوريسوف وحزب "مواطنون من أجل التنمية الأوروبية في بلغاريا" إلزامياً للانتساب إلى هذا النادي. قد يحصد المناصرون منافع كبرى في حين يواجه الآخرون عقوبات صارمة، ونتيجةً لذلك يبدو الخط الفاصل بين الشركات الشرعية والجريمة المنظمة مبهماً وتتعرض الشركات الناجحة للملاحقة القضائية أو تخسر أصولها بطريقة عدائية.تزداد سهولة هذه الخطوات بفضل الشرطة والنظام القضائي اللذين يخضعان لسيطرة بوريسوف وحزب "مواطنون من أجل التنمية الأوروبية في بلغاريا"، إذ يرتكز هذا النظام في معظمه على الفساد، ويدرك المتظاهرون أيضاً أنه يخنق المبادرات الفردية ويُسكِت الصحافة ويُحبِط الاستثمارات الخارجية، كما أنه يشجّع البلغاريين الشباب على مغادرة بلدهم لإيجاد مستقبلهم في مجتمعات أكثر انفتاحاً وديمقراطية.إذا كانت أوروبا تهتم بحماية الديمقراطية فعلاً، فمن واجبها أن تضطلع اليوم بدور رائد لدعم مطالب البلغاريين بالتغيير، لكن للأسف لن تقدّم واشنطن أي مساعدة لتحسين الديمقراطية في بلغاريا طالما بقي دونالد ترامب في البيت الأبيض، فلم يعبّر الرئيس الأميركي عن أي اهتمام بنشر الديمقراطية خلال عهده ومن المستبعد أن يتغير موقفه مع اقتراب الانتخابات الأميركية.يقدم الاتحاد الأوروبي من جهته إعانات ضخمة إلى بلغاريا ويملك الوسائل اللازمة لمواجهة غياب حكم القانون وحرية الصحافة وعناصر أساسية أخرى من الديمقراطية هناك، وفي النهاية تشتق أموال الاتحاد الأوروبي التي تتعرض لسوء الاستخدام والفساد من دافعي الضرائب في الدول الأعضاء فيه، ويتحمل الاتحاد مسؤولية الحفاظ على تلك الأموال.على المدى القصير، يُفترض أن تعترف البلدان الأوروبية والاتحاد الأوروبي بشرعية الاحتجاجات الشعبية في بلغاريا وضعف الديمقراطية فيها، وكخطوة ثانية يجب أن يعلن الاتحاد الأوروبي إطلاق تحقيق مكثف حول طريقة استعمال أمواله في بلغاريا ويلوّح بفرض إحالات وعقوبات قانونية، ثم تقضي الخطوة الثالثة بمراقبة الانتخابات ومراجعة مستوى حرية الصحافة وطرح اقتراحات لتنفيذ إصلاحات قضائية في بلغاريا.يملك الاتحاد الأوروبي ما يكفي من الصلاحيات والإمكانات الرقابية ومنظمات إنفاذ القرارات للتحقيق بالموضوع ومحاسبة الحكومة البلغارية في المجالات التي تتلقى تمويلاً من الاتحاد.في نهاية المطاف، يجب أن يقرر البلغاريون مصير بلدهم، لكن قد لا يتمكن المواطنون الذين يطالبون بالديمقراطية في الشوارع اليوم من فرض التغيرات الديمقراطية الجوهرية التي يسعون إليها وحدهم.إذا أرادت أوروبا أن تشكّل اتحاداً من الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، فيجب أن يتولى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه حماية هذا الهدف المحق وأن يناضلوا في سبيله.جيمس باردو*
مقالات
بلغاريا وبوريسوف يتجاوزان نقطة اللاعودة!
22-09-2020