خفضت وكالة موديز تصنيف الكويت الائتماني، مشيرة إلى مخاطر أعلى تتعلّق بالسيولة وضعف الحوكمة وقوة المؤسسات، إذ يواجه البلد الذي يعاني وطأة انخفاض أسعار النفط صعوبات لتمرير قانون يتيح له إصدار ديون عالمية.وقالت الوكالة: «في ظل الغياب المستمر لتفويض قانوني لإصدار دين أو السحب من أصول صندوق الثروة السيادية الموجودة في صندوق الأجيال القادمة، توشك موارد السيولة المتاحة على النفاد، مما يشكّل مخاطر سيولة على الرغم من القوة المالية الاستثنائية للكويت».
وخفضت خدمات المستثمرين في «موديز» تصنيف الكويت درجتين إلى A1 من Aa2.وعندما أصدرت الكويت ديونا في الأسواق العالمية، آخر مرة في 2017، جرى تداول سنداتها في نطاق قريب من أوراق مالية أصدرتها أبوظبي، التي تعد صاحبة الائتمان الأكثر أمانا في المنطقة، نظرا لأن ثروتها المالية الضخمة المستمدة من النفط منحت ثقة للمستثمرين.لكن الاقتصاد الذي يقترب حجمه من 140 مليار دولار، يواجه الآن عجزا هائلا يبلغ 46 مليارا بسبب أزمة كورونا، وانخفاض أسعار النفط، والجدل بين الحكومة والبرلمان بشأن قانون دَين جديد، وهو ما يحد من قدرتها على تعزيز خزائن الدولة.وقالت «موديز» إن «العلاقة المضطربة» بين البرلمان والحكومة تعدّ عقبة طويلة الأمد في تقييمها للقوة المؤسسية بالكويت.لكنّ المأزق المتعلّق باستراتيجية التمويل وغياب ضبط مالي مؤثرة «يشير إلى المزيد من أوجه الخلل الواضحة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الكويت وكفاءة السياسة عمّا تم تقييمه من قبل».وخفضت الكويت هذا الشهر نحو 3 مليارات دولار من ميزانية 2020-2021، حيث تسعى إلى توفير أموال.وسيتيح قانون الدين الذي تحاول الحكومة تمريره للبلد رفع سقف الدين ومخاطبة المستثمرين الدوليين، لكن المشرعين يريدون أولا الاطلاع على خطط إصلاح الاقتصاد والتحول من الاعتماد الكثيف على النفط الذي شكّل ما يصل إلى 89 بالمئة من الإيرادات في السنة المالية الماضية.وفيا يلي تفاصيل وآراء قيادات اقتصادية حول قرار الخفض.بداية، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني، عصام الصقر، إن خفض التنصيف الائتماني السيادي لدولة الكويت من جانب وكالة موديز ليس مستغربا، ولم يكن مفاجئا، فهو انعكاس لتباطؤ الحكومة في اتخاذ العديد من الإجراءات والقرارات، سواء الخاصة بالإصلاحات الاقتصادية التي كانت مطلوبة من البنك الدولي أو الملاحظات الأخرى من وكالات التصنيف العالمية خلال الفترات الماضية. وتابع الصقر: مع الأسف، مجلس الأمة لم يكن جادا في حل أزمة السيولة التي تعانيها الحكومة، عبر التوافق على قانون الدّين العام، وتتحمل الحكومة جزءا من الوصول الى هذه النقطة، نتيجة إدارتها لهذا الملف تحديدا، وبقية الملفات الاقتصادية المؤثرة. وأكد أن خطوة خفض التصنيف حتما سترفع الكلفة على الدولة في حال مضت في خيار الاقتراض، كما ترفع الكلفة على القطاع المصرفي أيضا، حيث ان التصنيف السيادي للدولة ينعكس على البنوك في تعاملاتها، حيث تتغير بيئة العمل وتحمل تحديات ومصاعب اضافية في ظل ظروف استثنائية أساسا. وشدد على أن الكويت يجب ألا تكون في هذا المأزق، ولديها كل مقومات النجاح والقوة المالية التي تمكنها من عبور التحديات الاقصادية، مشيرا الى أن الحلول والإجراءات واضحة، لكن أين إرادة التطبيق والتنفيذ واتخاذ القرارات دون تردد وتأجيل؟ ولفت إلى أن الجميع، بما فيهم القطاع الخاص، يدفع ثمن غياب وعدم وضوح الرؤية المالية والاقتصادية، وعدم اتخاذ القرار بشكل حاسم وسريع.
أزمة سيولة
من جانبه، اعتبر العضو المنتدب الأسبق للهيئة العامة للاستثمار، على الرشيد البدر، أنه مع تصدير المشاكل المالية للدولة للواجهة، والتأكيد مرارا على معاناة الحكومة من أزمة سيولة، وعدم قدرتها على المضي قُدما في تلبية الرواتب، وتضخيم الأزمة أكثر من اللازم، لم يكن مستبعدا تلك الخطوة الممثلة في خفض التصنيف الائتماني. وقال البدر: لو اقترضت الحكومة من الداخل من نفسها، بمعنى أن يقترض الاحتياطي العام من صندوق الأجيال القادمة مدة 6 أشهر أو سنة لما كانت كل هذه التداعيات حدثت، وتم خفض التصنيف، وبالتبعية رفع الكلفة على الدولة وزيادة البيئة الاقتصادية العامة صعوبة. وأضاف أن خفض التصنيف الائتماني متوقع، لعدم وضوح الرؤية السياسية والمالية والاقتصادية للكويت، خصوصا في مواجهة التحديات الأخيرة المستجدة.وأردف: الآن في حال قررت الحكومة الاقتراض بعد اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة، أتوقع ألا يكون الإقبال طاغيا وكبيرا، مقارنة بما كان الوضع عليه قبل خفض التصنيف، علما بأن كلفة الاقتراض ستكون أعلى من قبل. وحذّر البدر من أنه كلّما تأخرنا أكثر سيكون الوضع أسوأ وأعلى كلفة، وهي معادلة واضحة، مشيرا الى أن الحل الأنجع من وجهة نظري حاليا في ظل الظروف الصعبة التي وصلنا اليها أن يقترض الاحتياطي العام من احتياطي الأجيال، وهو يحتاج قرارا فقط وليس قانونا، مشيرا الى أنه سبق أن اقترض الاحتياطي العام من صندوق الأجيال عقب ازمة الغزو وإبان مرحلة الإعمار. ولفت الى أن أسعار النفط منخفضة، والاقتصاد شبه متوقف لا ينمو بالوتيرة اللازمة والمأمولة، وكان المفروض من البداية دون تأخير حسم القرار بالاستدانة من الداخل لطالما طريق قانون الدَّين العام صعب.جرس إنذار
من جهته، قال نائب رئيس مجلس الإدارة في بيت التمويل الكويتي (بيتك)، عبدالعزيز النفيسي، إن الوصول الى نقطة خفض التصنيف السيادي للكويت جرس إنذار لتنبيه الحكومة ومجلس الأمة للتعاون لما فيه المصلحة العامة، مشيرا الى أن تعنّت مجلس الأمة في عدم إصدار قانون الدَّين العام قاد الى تلك النقطة. وأضاف أن الحكومة في حاجة الى سيولة لحلّ بعض الأزمات والتداعيات، مؤكدا أن الحاجة الى قانون الدين العام باتت أمرا ضروريا وملحّا. وقال إن الحكومة اتخذت إجراءات في سبيل معالجة أوجه الهدر بخفض المصروفات نحو 20 بالمئة، ولديها رؤية لتعديل التركيبة السكانية، وكذلك معالجة أوجه الخلل، وهذه الإجراءات تحتاج الى وقت حتى تظهر آثارها، ويتم تنفيذها على أرض الواقع وليست بين عشية وضحاها يمكن تلمّس آثارها.وعلى النقيض تحتاج أزمة السيولة والعجز الى معالجات فورية، حيث إن الحكومة عليها التزامات ومتطلبات لا يمكن تأجيلها، وهو ما يؤكد ضرورة إقرار قانون الدين العام حتى تتمكن من الاقتراض. وتابع النفيسي أن كل دول العالم تستعين بهذه الحلول، وخيار الاقتراض مطبق، وسبقت اليه دول كبرى لحل مشاكل آنية وتوفير السيولة للحيلولة دون تفاقم المشاكل الاقتصادية أكثر، وزيادة الكلفة في حال إقرار قانون الدين العام بمرسوم ضرورة، وهي معادلة واضحة، كلما كان الاقتراض في وضع قوي وتصنيف مريح كان موقف الحكومة التفاوضي أقوى. وأعرب عن تفاؤله بأن تكون الأمور الاقتصادية في العالم والكويت بداية العام المقبل أفضل، وأن يكون التعاون سمة مشتركة بين الحكومة والمجلس الجديد لمعالجة كل المشاكل والاختلالات الاقتصادية، مشيرا الى أن تلمّس أي إجراءات من ناحية الحكومة تظهر آثارها بعد عام على الأقل.إجراءات جادة
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك برقان، مسعود حيات، إن خفض التصنيف أصبح أمرا واقعا، وسيتحمل الجميع تبعاته، مشيرا الى أن المطلوب اتخاذ إجراءات جادة للمضي قدما في معالجة الوضع الراهن على كل المستويات، والاهتمام بالوضع الاقتصادي للخروج من التحديات والتداعيات التي فرضتها الأزمة الصحية. وتابع: تتحمل السلطة التنفيذية والتشريعية تحديدا المسؤولية بسبب عدم التعاون، وكل منهم عليه مسؤوليات كنا نتطلع أن يكون الأداء أفضل بكثير مما هو عليه بما يصب في مصلحة الكويت. وذكر أن هناك قوانين اقتصادية ذات أهمية مطلوب إقرارها، وقرارات إصلاحية أخرى أيضا لا تقل أهمية عن وضعها على سكة التنفيذ لتشكّل عامل دعم للحوكمة في خطتها التي تطرحها وترغب في تطبيقها. وأضاف أن خفض التصنيف الائتماني ليس فقط بسبب الوضع المالي، بل يأخذ في عين الاعتبار الحوكمة وطريقة إدارة السلطة التنفيذية للوضع الاقتصادي عموما وإجراءاتها وآلياتها في معالجة أوجه الخلل والفساد. وقال: علينا مراجعة الوضع، والحلول ممكنة، والكويت قوية ومليئة وقادرة على العودة بما تملكه من مؤسسات واحتياطيات.الفرصة مواتية
بدوره، قال رئيس مجلس الإدارة للبنك الأهلي المتحد - الكويت، د. أنور المضف، إن الأزمة التي تقع المالية العامة تحت وطأتها هي أزمة تدفقات نقدية و"كاش"، وليست أزمة ثروة أو ملاءة، فالكويت غنية وقوية باحتياطياتها. وأضاف أن الفرصة كانت مواتية ولاتزال للاقتراض، مؤكدا لنقترض حتى لفترة 20 أو 30 سنة، فمستويات الفائدة منخفضة جدا، وتعتبر فرصة مواتية وغير مسبوقة، خصوصا أن الدين العام على الكويت في أدنى مستوياته.وأوضح أن عدم قدرة الحكومة على إقناع المجلس بضرورة وأهمية قانون الدين العام هو من قاد الى هذه النتيجة، قائلا: كان يجب أن تكون لدى الحكومة قدرة وقوة أكبر على الإقناع وإدارة استراتيجية لإقناع الشارع العام وقراءة توقعات المواطنين والإجابة عن استفساراتهم وما يدور من نقاشات لطمأنة الجميع حتى تمر مقترحاتها. وقال: "تخريع" المواطنين بعدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب لم تكن له جدوى، وأعطى صورة غير إيجابية، ودفع وكالات التصنيف للقلق وخفض التصنيف بسبب ضعف الحوكمة داخل الإدارة الحكومية، وهو ما يعني أن الحكومة لا تستطيع أن تمرر أي قرار بسهولة، وأن الإدارة ضعيفة، لذلك من تبعات هذا الوضع خفض التصنيف السيادي الائتماني. وأضاف: بالنسبة إلى عوائد الاستثمارات السيادية الحكومية، وما يقال إنها تصل الى 10 مليارات، ويمكن أن تغطي العجز فهي عوائد غير سائلة، وتأتي في شكل ارتفاع في قيم الاستثمارات، وبالتالي لا بديل إلا بتسييل تلك الأصول، وخيار التسييل حاليا ليس الأفضل، بل الأفضل الذهاب الى السوق العالمي للاقتراض لفترات طويلة الأجل، فالوضع الراهن أفضل توقيت. ولفت إلى أن خفض التصنيف السيادي لدولة الكويت درجتين كان، بلا شك، مفاجئا بعض الشيء، خصوصا أن الكويت تملك ثروات ضخمة واحتياطيات كبيرة، ويجب ألا نصل الى هذه المنطقة، في ظل وجود حلول وبدائل عديدة أمامنا. وقال: نحن أمام معادلة المصروفات أعلى من الإيرادات النفطية وعوائد الاستثمارات وتدفقاتها غير نقدية، ونواجه أزمة تدفقات، لذلك خيارات تمويل العجز واضحة، ويجب اتخاذ الإجراءات الكفيلة لها باحترافية ولآجال طويلة تضمن أريحية للدولة على المدى البعيد في ظل انخفاض كلفة التمويل. وأردف: هذه المرحلة يجب أن نأخذ منها عبرة، ونعيد ترتيب الأوضاع، ونقيّم أنفسنا في الوضع الذي كنّا عليه وما أصبحنا عنده الآن، قائلا إن الكويت كانت ثاني أقوى اقتصاد في المنطقة، وحاليا تراجعت الى المرتبة الرابعة. وأضاف: الناتج المحلي الكويتي بين 110 و115 مليار دولار، في حين أن قطر وصلت الى 183 مليارا، والإمارات بلغت نحو 400 مليار، في حين أن السعودية بحجمها تصل الى نحو 700 مليار. وزاد: علينا أن نفكر من جديد، ونعيد اتخاذ الخطوات التي تعيد الكويت للمقدمة وللمرتبة التنافسية، ولمكانتها الاقتصادية المعهودة، وأن نتساءل: ماذا فعلنا لدعم الناتج المحلي غير النفطي؟ السلع والخدمات والاستثمارات والإنفاق الحكومي وغيرها من المكونات الاقتصادية وتهيئة البيئة الداخلية والإصلاحات المطلوبة. وتابع: عندما يتقلص حجم الاقتصاد الكويتي ولا ينمو، خصوصا غير النفطي، فإن هذا يعني أن القطاع الخاص يختنق، وبالتالي يجب أن تتدارك الجهات الحكومية كافة هذا الوضع، وتعي أن مهمة السياسة المالية والنقدية والنمو الاقتصادي والتحفيز يكون من أبرز وأهم الأهداف حتى تتسع وتيرة ورقعة العمل، وتزداد المنافسة، وتدور عجلة العمل بقوة، بما ينعكس على الاقتصاد الكلي.