سبب الصمت الروسي تجاه اتفاق السلام بين إسرائيل ودول الخليج
بعد أن وقّعت إسرائيل معاهدة سلام مع الإمارات العربية المتحدة في 15 سبتمبر في البيت الأبيض وإعلان السلام مع البحرين، ناقش المحللون وصانعو القرار على مدى أسابيع العديد من القضايا المحيطة بهذه الأحداث التاريخية، ومنها: كيف حدثت؟ ولماذا الآن؟ وهل ستؤثر هذه الأحداث في المنطقة بشكل عام، وعلى مبادرة السلام العربية بشكل خاص؟ وفي حين كانت تركيا وإيران- إلى جانب القيادة الفلسطينية- من أشد منتقدي الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي في المنطقة، التزمت دولةٌ واحدة الصمت إلى حدٍّ كبير، وهي روسيا.وقد أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً بشأن الاتفاق فاتر اللهجة إلى حد ما ركّز بالدرجة الكبرى على مسألتين، هما: أهمية روسيا نفسها، والمكانة المحورية للقضية الفلسطينية. ووفقاً للبيان، درست موسكو الإعلان "بعناية" وأرادت التشديد على أن روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي والراعية المشاركة لعملية السلام العربية الإسرائيلية والمجموعة الرباعية (التي تتوسط في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية)، "دائماً ما تصرّفت انطلاقاً من ضرورة تحقيق تسوية شاملة في الشرق الأوسط". ثم شدد البيان على أن "المشكلة الفلسطينية كانت ولا تزال نقطة محورية في البحث عن السلام في الشرق الأوسط".والواقع أن رد الفعل هذا ليس مفاجئاً، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطى الأولوية لاستعادة مكانة روسيا كقوة عظمى على الساحة العالمية، وبذل جهداً كبيراً لترسيخ دور روسيا كوسيط أساسي في الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ولكن الوساطة الأميركية لا الروسية، هي التي ساعدت في التوسط في ما يُعتبر موضوعياً اتفاقية سلام تاريخية في المنطقة، وهذه نقطةٌ لم تمرّ على موسكو مرور الكرام.
من هنا، حين تحدث بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في أواخر أغسطس بعد الإعلان عن اتفاق السلام، أشار بيان الكرملين أيضاً إلى أن نتنياهو هو من بادر بالاتصال، وفيما يتعلق بالاتفاق الإسرائيلي الخليجي، فوفقاً لبيان الكرملين، يؤيد الجانب الروسي "حلاً عادلاً وشاملاً ومستداماً للمشكلة الفلسطينية، ويأمل أن يساهم الاتفاق في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة". ويقيناً أن بوتين لم ينتقد الاتفاق، ولكن تعليقاته المدروسة تناقضت مع تعليقات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي هنّأ نتنياهو خلال حديث سابق جرى بينهما الشهر الماضي، ووصف الاتفاق بأنه "إنجاز تاريخي ومثال حي على فرص الحوار والدبلوماسية التي يمكن أن ترثها دول أخرى". إلا أن موسكو لم تصدر مثل هذه التهاني. وبينما يواصل الكرملين التشديد على محورية القضية الفلسطينية، كان من الواضح منذ فترة طويلة أن معظم الدول العربية لم تعد تمنحها الدرجة نفسها من الأهمية التي كانت عليها قبل عقد من الزمن، بل أصبحت تقلق اليوم أكثر بشأن المطامع الإيرانية في المنطقة، وفي المقابل كانت موسكو تميل منذ فترة طويلة نحو المحور الشيعي في المنطقة. وفي هذا السياق، من المنطقي أيضاً أن يلفت نائب رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس أندري باكلانوف في مقالة له في صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا، إلى "تقييم موسكو الإيجابي عموماً" للاتفاق الإسرائيلي الخليجي لكنه أشار أيضاً إلى "اللحظات المقلقة والخطيرة المحتملة في مسيرة التطور السلمية في المنطقة". ويشمل ذلك نظرة واضحة معادية لإيران، ومن وجهة نظره، كتب في المقالة نفسها قائلاً، إن الاتفاقية تأتي في سياق المناقشات المتزايدة بين الدولتين حول "التهديد الإيراني"، وهو أمر دائماً ما تقلل موسكو من أهميته. ولا شك أن التدخل في سورية خلال سبتمبر 2015 أعاد رسمياً مكانة روسيا كقوة عظمى فاعلة في المنطقة، بما يتعدى حدود سورية وحدها، ولكن لا يجدر بأحد أن يخطئ فهم الأمور، فموسكو منخرطة في منافسة محتدمة بين القوى العظمى مع الولايات المتحدة، وعلى نطاق أوسع مع الغرب، على النفوذ في الشرق الأوسط، وهذه اللعبة لن تنتهي، لكن لا بديل عن القيادة الأميركية، وموسكو تعلم أنها خسرت هذه الجولة.* آنا بورشفسكايا