التسويق في زمن «كورونا»
أضحكني أحدهم حين قال: "المسوقون في زمن كورونا كأنهم الفرقة الموسيقية التي لم تتوقف عن العزف أثناء غرق التايتانك!" لا أحد يستطيع نسيان مشهد غرق السفينة العظيم، الناس يتدافعون ما بين القافز لغياهب البحر ومراكب النجاة، المشهد مجنون صراخ وبكاء، في حين أعضاء الفرقة الموسيقية مازالوا في أماكنهم لم يتحرك منهم ساكن سوى أصابعهم التي استمرت بالعزف ليصنعوا للظرف الملحمي صوتا خلفيا.في الحقيقة متخصصو التسويق والعلاقات العامة لم ينته ولم يتوقف عملهم خلال هذه الأزمة! إذ تعتمد أغلب الشركات خطة استراتيجية تسويقية لسنة كاملة مقسمّة إلى أرباع سنوية، وتعكس هذه الخطة توجه الشركة في كل ما يتعلق بترسيخ الهوية التجارية، والحملات الإعلانية والترويجية للمنتجات والخدمات، وأنشطة وأحداث داخلية وخارجية، والمسؤولية الاجتماعية والتواصل الاجتماعي. وبما أن الحياة لن تعود مثلما كانت وفقا لرأي العديد من الخبراء، والخطة التسويقية للشركة يجب أيضا ألّا تعود مثلما كانت!
فترة الكساد الماضية في المبيعات والخدمات وضعت على المسوقين حملا هائلا لمضاعفة الجهود والبحث عن أفكار جديدة تخدم كل التغييرات التي حصلت وستحصل، ليس فيما يتعلق بالترويج للسلع وزيادة المبيعات فقط، بل أيضا لعوامل اختلال القدرة الشرائية سلبا أو إيجابا، وتغيّر السلوك الشرائي أو الخدمي للعملاء، سواء من خلال زيادة الشراء الإلكتروني أو تقنين الاستيعاب العددي للجمهور أثناء عملية الدخول والخروج من المحلات التجارية. كيف أحمي الزبائن والعملاء من عدم تقبّل كل هذه التغيرات؟ وفقا للقوانين والإرشادات الصحية المعمول بها حاليا، يجب ألا يزيد روّاد المحل التجاري أكثر من عدد محدد! فإن طالت فترة الانتظار في طابور الدخول للمحل وبدأ العملاء بالتراجع والعدول عن إكمال مراحل التسوق والشراء لأسباب خارجة عن السيطرة مثل الملل أو التعب، فكيف للمسوّق هنا أن يخلق قيمة مضافة لفترة الانتظار هذه؟ كيف نساعد عميلنا على التأقلم والتكيّف مع مثل هذه العادات الجديدة والدخيلة تماما على خبراته الشرائية السابقة؟ وكيف نساهم في تعديل العقلية الاستهلاكية الشرائية التي تتوقع الحصول على السلعة بفترة زمنية قصيرة، من تقبّل فكرة زيادة معدلات الانتظار سواء من خلال خدمة توصيل السلع بعد شرائها إلكترونيا، أو زيادة الطوابير عند الأبواب والكاشيرات؟لمسوقي شركات F&B حالة خاصة، فمع كل المعوقات السالف ذكرها والتي تحد من انسيابية العملية الترويجية، فإن مجال الطعام والشراب يخضع لعوامل الخوف والتردد بنسبة أكبر، وعوامل إضافية مثل النظافة، وصحة وسلامة العاملين ابتداء من الطاهي حتى عامل التوصيل، وطريقة التغليف والتعليب والمناولة ناهيك عن أن أكثر ما يميز تجربة المطاعم والمقاهي هو الجلوس والاجتماع على طاولة في المكان للتمتع بالأطباق والخدمة، وانتفاء هذه الميزة يضاعف تركيز المسوقين على المنتج نفسه، ومدى صحة ونظافة التحضير والتوصيل والمناولة. بدأنا نرى العديد من المطاعم خصوصا المحلية تقود مبادرات التطوير في مراحل الإنتاج والتغليف، فالأكياس البلاستيكية أصبحت تُغلق حراريا مثلا، كما يتم الإعلان بين فترة وأخرى أن العاملين يتم فحصهم بصورة دورية لضمان سلامة الزبائن، وهذه المبادرات يجب أن تكون دائما في رادار قسم التسويق، فاستمرارية التأكيد والتذكير بحرص الشركة على اتباع قوانين الصحة والسلامة، وابتكار طُرق ووسائل جديدة للحد من انتشار الفيروس والوقاية منه زاوية تسويقية مهمة وفعّالة.