مشاريع التطوير والإصلاح من الهلامية إلى التحديد
كل ما اطلعت عليه مما يرفعه الناشطون من اقتراحات ومطالب للقيادة السياسية، وآخرها ما قدمه كل من الدكتور عبدالله النفيسي والدكتور عبيد الوسمي، يصب في الخطوط العريضة للإصلاح، وتصفية الفساد، وسد منافذه وملاحقة الفاسدين، واسترجاع ما سرقوه، كما تضمن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالنهوض بالبلاد بعد التراجع الفظيع والخطير على الصعد كافة، مرورا بالمصالحة الوطنية والعفو الشامل، وتغيير النظام الانتخابي لفتح المجال لدخول المقاطعين، ووصول عناصر وطنية أكثر إلى البرلمان. كما اقترحوا اختيار حكومة من الكفاءات ذوي الإخلاص، تضع برنامجا إنقاذياً وإصلاحياً مع إفساح المجال لمنظمات المجتمع المدني وللفاعلين المخلصين لرسم سياسة حكومية كفيلة بمراجعة كل أسباب الفساد والهدر المالي وعشوائية العمل الحكومي.لا شك أن جميع هذه المقترحات والمطالبات غاية في الضرورة، ولا يمكن لأي عملية إصلاحية أن تنجح بدونها، ولكن افتقدت هذه المطالب إلى الإشارة لأمور محددة تختصر على القيادة السياسية الطريق والجهد، وتتجه برغبة وإرادة الإصلاح مباشرةً إلى خطوات تنفيذية فورية، فلا وقت ولا جدوى من العموميات والتأشيرات الإيمائية البعيدة عن التحديد. كما أكدت في عدة مقالات لا بد من المطالبة بتطبيق المادة الدستورية رقم ٩٨ التي تنص على تقديم الحكومة برنامج عملها للمجلس فور تشكيلها، وقد فسرت فور تشكيلها بأنه ليس كناية عن السرعة بل أن تضع البرنامج منظمات المجتمع المدني في صيغة قوانين وقرارات ومشاريع مقترحة تمت بلورتها باحترافية عالية من مختصين، وتم تداولها وإشباعها نقاشاً وتبناها الرأي العام.
وأشرنا إلى أن برنامج العمل لا بد أن يخلو من العموميات والصياغة الهلامية غير المنضبطة ومحددة بمعيار زمني وكمي، فكان الواجب أن تشرع منظمات المجتمع المدني والنشطاء في كل حقول الحياة بوضع المقترحات بعد دراستها وعرضها للرأي العام، كيما تتبلور وتغتني وتصبح جاهزة للتنفيذ الفعلي. فمثلا إصلاح النظام الانتخابي، هل يتم على أساس عشرة أصوات ضمن خمس دوائر، أم نظام القائمة النسبية، وأي شكل من نظام القائمة النسبية؟ وكذلك الحال فيما يتعلق بالخصخصة وأولوياتها وجدولها الزمني، وأشكالها، وشروطها، وإجراءاتها.وعبر برامج التواصل تقام ورش العمل فيمكن لكل مجموعة مختصة أن تضع مقترحاتها ويتم تداول الرأي بشأنها حتى يتشكل المقترح الأوَّلي ثم يطرح للرأي العام لبلورته النهائية.