فعلها المكلف تشكيل حكومة جديدة في لبنان مصطفى أديب، فبعد نحو ثلاثة أسابيع من تكليفه، رمى اعتذاره في وجه القوى السياسية كافة، ليدخل لبنان في أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، في ظل تدهور وضعه الاقتصادي والاجتماعي، إذ اصطدمت مساعي أديب لتشكيل حكومة اختصاصيين قادرة على إقرار الإصلاحات بإصرار «الثنائي الشيعي» على تسمية وزرائه، والتمسّك بحقيبة المال. وما كان الاجتماع، الذي عُقِد مساء أمس الأول بينه وبين المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، والمعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» حسين خليل، إلا «القشة التي قصمت ظهر البعير»، بعد تعنت «الخليلين» وإصرارهما على تسمية «الحصة الشيعية» مقابل رفض أديب التدخل وفرض الأسماء.
وفور اعتذار أديب ركّز أركان السلطة اللبنانية على تأكيد استمرار مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والعمل وفق أجندتها، حفاظاً على وعود الدعم المالي من جهة، وخوفاً من عقوبات مفترضة من جهة أخرى. وأكد رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس، أن «المبادرة الفرنسية لا تزال مستمرة، وتلقى مني كل الدعم وفق الأسس التي أعلنها الرئيس الفرنسي». وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري إنه «لا أحد متمسك بالمبادرة الفرنسية بقدر تمسكنا بها وفقاً لمضمونها»، مستدركاً «ولكن هناك من أغرقها فيما يخالف كل الأصول المتبعة».
في المقابل، أكدت مصادر مقربة من الرئيس الفرنسي، أمس، أن «فرنسا لن تخذل لبنان، وأن اعتذار أديب عن عدم تشكيل الحكومة انتكاسة، لكننا لن نيأس»، لافتة إلى أن «الاعتذار يعني أن الأحزاب السياسية في لبنان ارتكبت خيانة جماعية». وطرح مراقبون في بيروت أكثر من سؤال حول مستقبل مبادرة ماكرون، أهمها: هل سيتم إنعاش المبادرة الفرنسية، ووفق أي شروط، وسط التباين المحلي الكبير في تفسيرها؟ وإذا عجزت باريس عن فرض تفاهم داخلي على حكومة، هل سيتم تعويم حكومة تصريف الأعمال؟ وهل سيقرّر «حزب الله» وحلفاؤه الذهاب نحو حكومة من لون واحد جديدة، تتحدّى الداخل والعرب والغرب؟ لا أجوبة بعد. وربما لذلك، تريثت رئاسة الجمهورية أمس في تحديد موعد للاستشارات النيابية، إفساحاً للمجال أمام مشاورات مع القوى المحلية للاتفاق على خريطة طريق للمرحلة المقبلة.