بتخفيض وكالة موديز هذا الأسبوع للتصنيف الائتماني لدولة الكويت بواقع درجتين إلى A1 من Aa2 بنظرة مستقبلية مستقرة يكون تصنيف الكويت قد تعرَّض لثاني خفض هذا العام، بعد أن خفَّضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف الكويت في مارس الماضي من AA إلى -AA مع نظرة مستقبلية مستقرة، ثم لتعود نفس الوكالة في يوليو الماضي، لتثبِّت تصنيف مارس مع تغيير النظرة المستقبلية للتصنيف من مستقرة إلى سلبية، فيما ثبَّتت وكالة فيتش في أبريل الماضي تصنيف الكويت عند AA مع الإبقاء على نظرة مستقبلية مستقرة.وبغض النظر عن تباين درجات التصنيف والنظرة المستقبلية بين الوكالات الرئيسية الثلاث - وهذا أمر طبيعي - فإن مبررات التصنيفات تبدو شبه متقاربة، لاسيما في مسائل الأثر السلبي لجائحة "كوفيد- 19" على الاقتصاد الكويتي، فضلاً عن نتائج انخفاض أسعار النفط على المالية العامة للكويت، والعجز المؤسساتي، وضعف القدرة على إيجاد حلٍّ مستدام طويل الأجل بشأن الاحتياجات التمويلية، لاسيما مع تصاعد المصروفات العامة، والحث على إصدار قانون "الدَّين العام"، وتوقعات بانكماش الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض النمو الاقتصادي للبلاد، مع التركيز على متانة احتياطيات الدولة المالية في صندوق "الأجيال القادمة".
وهذه المبررات كلها تشير إلى أن الاقتصاد الكويتي يعاني أصلاً مجموعة اختلالات مزمنة أهملتها الإدارة العامة للدولة سنوات طويلة، وسياسات اقتصادية منحرفة تعالج النتيجة لا السبب، وانفلاتاً في المصروفات، وانحرافاً في أوجه الإنفاق العام، وبالتالي فإن ما حدث مع آثار جائحة كورونا وما تبعه من انخفاض لأسعار النفط كان مجرد كاشف عن أمراض الاقتصاد وليس سبباً لها.ولا ينطبق الأمر على السنوات الماضية فقط، بل حتى على التعاطي الحكومي مع جائحة كورونا، الذي اتسم بردات الفعل من دون منهج واضح في التعامل مع آثار الأزمة أو تعلم الدروس منها.
تهوين وتهويل
ولفهم التصنيف الائتماني لأي دولة يجب وضع الأمر في سياقه دون تهوين أو مبالغة، فالتصنيف الائتماني معنيٌّ بوصف الوضع المالي أكثر من الحالة الاقتصادية، ويتعلق بمراجعات فصلية أو سنوية، أو حتى بأوضاع طارئة محددة جيوسياسية واقتصادية وغيرها، وهو موجَّه بالدرجة الأولى للجهات التي تمنح الائتمان، أي الدائنين، وأيضاً موجَّه للمستثمرين الأجانب، وهو مصحوب بالعادة بما يُعرف بالنظرة المستقبلية التي تأخذ واحدة من 3 صور: "إيجابي" أي متفائل باحتمالية رفع التصنيف، أو "سلبي" يعبِّر عن التشاؤم من أداء الاقتصاد، ويشير إلى احتمالية تراجع التصنيف في المستقبل، والأخير "مستقر"، وغالباً ما يعكس ثقة المؤسسة باستمرار التصنيف الحالي للدولة وثباته. وإذا كان التهوين في التعامل مع ملف التصنيف الائتماني يتعلق بالتلكؤ عن القيام بإصلاحات في عُمق الاقتصاد الكويتي تتناول اختلالاته الأساسية، كشُح الإيرادات غير النفطية المستدامة، وإصلاح سوق العمل، بما يخفف من فاتورة الإنفاق الضخم في الميزانية العامة للدولة ومعالجة التركيبة السكانية بكل أضرارها الاقتصادية والمالية، ناهيك عن الاجتماعية والأمنية، وتطوير البيئة الاستثمارية الجاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية والتكنولوجيا وتطوير أوضاع القطاع الخاص ليكون ممولاً للميزانية وموفراً لفرص العمل للشباب الكويتي، فإن المبالغة تتمثل في دخول "فخ الاستدانة"، أي الدَّين العام، دون وجود خطة حكومية مُلزمة للإصلاح الاقتصادي تعالج الاختلالات المذكورة أعلاه، أو الاعتماد على إجراءات دفاعية قصيرة الأمد، كمبادلة الأصول بين صندوقي الاحتياط العام والأجيال، أو حتى انتظار هبة من الأسواق ترفع أسعار النفط العالمية، رغم المصاعب التي تواجه أسواق الطاقة على المديين القصير والمتوسط.والأسوأ من التهوين والمبالغة، هو إخضاع المعالجة لنفس عقلية الإدارة الحكومية التي ساهمت في خفض التصنيفات، وهو ما تجلَّى في إحالة الملف إلى المجلس الأعلى للتخطيط، لوضع ما يُسمَّى بـ"خريطة طريق لتحسين التصنيف"، وهو أشبه بتجميد للموضوع، أو إخضاعه لسكة طويلة من الإحالات والدراسات واللجان والتوصيات التي لا تصل إلى نتيجة حاسمة، مع أن الأمر يتطلَّب قرارات جريئة تتعلق في مراحلها الأولى بتقليص الإنفاق العام، ومعالجة أوجه الهدر، وتنمية المصادر الضريبية من الأنشطة الاقتصادية، ومراجعة إيرادات أملاك الدولة، وصولاً إلى إصلاح سوق العمل، وتنويع مصادر الدخل، وإعادة النظر في آليات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يضمن تجاوز الإخفاق فيها، فضلاً عن تطوير فلسفة الإنفاق في الميزانية، لتكون تنموية أكثر من كونها ريعية.واقع الدَّين العام
وبنظرة موجزة على الدَّين العام في الكويت من واقع بيانات ديوان المحاسبة، نجد أنه بلغ 4.513.5 مليارات دينار في نهاية عام 2019، وبانخفاض 900 مليون دينار عن يونيو 2019، نتيجة انتهاء مدة سريان قانون الدَّين العام، واستحقاق سندات محلية خلال نفس الفترة، فيما لاحظ الديوان عدم استكمال الهيكل التنظيمي لإدارة الدَّين العام في وزارة المالية، وتزويدها بالجهاز الفني الكافي من ذوي الخبرات والكفاءات، وبما يتناسب مع الاختصاصات الموكلة لها. ومع الاطلاع على تقارير الوكالات الائتمانية، تبدو تحديات السيولة مع "النصيحة" بالتوجُّه إلى إقرار الدَّين العام، هي أساس مبررات التصنيف، الأمر الذي يتطلَّب من الإدارة الحكومية ومجلس الأمة - رغم محدودية الأمل فيهما - العمل على إطلاق خطة حكومية إلزامية تعالج اختلالات الاقتصاد قبل التوجُّه للاقتراض، مع اعتبار أن هذا الاقتراض لا يعدو كونه إجراءً دفاعياً مؤقتاً ربما يستنزف مبلغ الدَّين العام كاملاً خلال أقل من 3 سنوات، ليكون الأصل في الخطة هو الإصلاح الاقتصادي الشامل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الديون السيادية مثلما شكَّلت دعماً لاقتصادات عالمية كبرى، مثل: الولايات المتحدة والصين واليابان، فإنها ساهمت أيضاً في تدمير دول أخرى، مثل: فنزويلا والأرجنتين واليونان ولبنان... لأن الخلل ليس في الاقتراض ذاته، بل في الإدارة التي تولَّت إنفاقه، ولنا في الكويت جرس إنذار في سوء إدارة الملفات المالية، أهمها نفاد سيولة الاحتياطي العام دون عائد اقتصادي أو تنموي للدولة، مما يجعل أي مراقب متوجساً من مخاطر التعامل مع الأموال المتأتية من الاقتراض بنفس العقلية التي أدَّت إليه.