يواصل برنامج «الجوهر»، الذي تنظمه أكاديمية الفنون الأدائية «لابا»، إتاحة الفرصة للشباب الكويتيين والعرب لصقل مهاراتهم الإعلامية ضمن مجموعة من الورش الاحترافية، بقيادة كوكبة من الإعلاميين العرب.ومجدداً تعود سيدة الإعلام العربي جيزيل خوري مع دفعة جديدة من المتدربين، حيث كان مسك ختام الورشة حوارا مفتوحا لمدة ساعتين مع الدبلوماسي والسياسي الأردني د. مروان المعشر، كي يتعرف شباب «الجوهر» على الرواد الذين ساهموا في صنع النهضة، والقامات التي شاركت في القرار السياسي.
المعشر شخصية تتمتع بخبرات فريدة محلية ودولية، فهو أكاديمي وسياسي تنقل بين مقعدي السلطة والمعارضة، سفير ونائب رئيس مجلس وزراء، تقلد حقيبتي «الإعلام» و«الخارجية»، كما عمل سفيرا للمملكة الأردنية في إسرائيل وأميركا، وكان أحد أبرز المفاوضين في معاهدة السلام الأردنية.وأشرفت الإعلامية خوري ببراعتها المعهودة على حوار الشباب عبر منصة زووم، وهم: سليمان العلي وأسرار حيات وأحمد الخالدي وهيا المقرون من الكويت، وسندس الصباغ وأميرة قطيش وشهد العموش ومأمون الزارع ووسيم نزال من الأردن، وسوزان سلمي ومرام عزو من لبنان، وفيما يلي تفاصيل الحوار:• كيف تنظر إلى اتفاقيات السلام الجارية حاليا مع إسرائيل؟ـ- الحكم على اتفاقيات السلام لابد أن يكون مرتبطا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. أي اتفاقيات لا ترتبط بذلك من الصعب أن ندعوها اتفاقيات سلام، قد نعتبرها "اتفاقيات ثنائية"، لكن لا علاقة لها بالسلام الذي عليه إجماع عربي عبرت عنه مبادرة السلام العربية، وكان هدفها مقايضة الأرض مقابل السلام. هذه الاتفاقيات هي مقايضة سلام مقابل سلام، ولا أظنها تساعد العملية السلمية، بل تؤثر عليها سلبا، لأن الحكومة الإسرائيلية طالما تعقد اتفاقيات مع دول عربية فهي تستطيع القفز على الجانب الفلسطيني، وهذا لن يؤدي إلى إنهاء الاحتلال، وتشعر بأنها تستطيع أن تحتفظ بكل شيء، وإن كان البعض برر مثل هذه الاتفاقيات بالمساعدة في تحريك عملية السلام وطمأنة إسرائيل.
موجتا السلام
• ما الفرق بين موجة السلام الأولى... والموجة الحالية؟- الموجة الأولى كان هدفها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، أما الآن فأظن أنه لم تعد هناك عملية سلمية، بل مجرد اتفاقيات تعاون ثنائي، ولا علاقة لذلك بقوة المبادرة العربية التي قُدمت بالإجماع، اليوم انتفى مبدأ الإجماع ومبدأ الأرض مقابل السلام، والنتيجة المنطقية الوحيدة أن حل الدولتين تم قتله ولم يعد ممكنا، لا إسرائيل راغبة فيه، ولا تشعر بأن المجتمع الدولي أو العربي يضغط عليها لتحقيقه. • هل ستؤثر الاتفاقات الأخيرة مع بعض الدول العربية في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟- لا أعتقد، الموضوع الرئيسي للناخب الأميركي هو الاقتصاد، كما أن الصراع العربي - الإسرائيلي، وحتى الشرق الأوسط لم يعد يمثل أولوية للإدارة الأميركية من أيام الرئيس باراك أوباما، لأسباب عديدة، منها أن الحرب على العراق أنتجت رأيا ضد التدخل الأميركي في الخارج، ولذلك بدأ الانسحاب من العراق وأفغانستان، ولم يتدخل أوباما فيما يجري بسورية رغم الفظائع التي ارتكبت هناك، وحتى ترتيبات ما يسمى "صفقة القرن" لا تهدف إلى استقطاب الجمهور الأميركي اليهودي، بل استقطاب الشارع التبشيري، أيضا من أسباب التراجع أن النفط لم تعد له أهمية كبيرة، بل إن أميركا تصدره الآن.فرصة ترامب
• برأيك، هل فرصة ترامب كبيرة في إعادة انتخابه؟- من الصعب الجزم بنتائج الانتخابات، فترامب نجح أمام هيلاري كلينتون لأنها لم تكن لها شعبية كبيرة، ولأنه وعد بوظائف، ونجح في مخاطبة رجل الشارع بطريقة مسرحية جذابة، كل هذه العوامل اليوم لم تعد موجودة، وجيل كبار السن الذي أيد ترامب كان الأكثر تضررا من "كورونا" بسبب الاستهتار به، والبطالة فوق الـ10 في المئة، لذا في ظني فرص بايدن أعلى، لكن هذا لا يعني ضمان نجاحه.• في حال فوز جو بايدن هل ستتغير السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط؟- الشرق الأوسط لم تعد له أهمية كبيرة، لذلك لن تكون هناك تغييرات جوهرية، ولو فاز بايدن فسيغير بعض التفاصيل، فهو مثلا من مؤيدي حل الدولتين، ولن يؤيد صفقة القرن، وسيعيد مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك الأموال إلى الأونروا، وقد تتراجع العلاقات الأميركية - السعودية عما هي عليه الآن، مقابل إعادة الاتفاق مع إيران، لكن لن تكون هناك حلول جذرية للصراع العربي - الإسرائيلي، ولا عودة عن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس.اتفاقية الأردن
• برأيك، هل حصل الأردن على ما أراد من اتفاقية السلام مع إسرائيل؟- استرجع الأردن الأراضي المحتلة وبعض حصته من المياه، لكن الأولوية من وراء الاتفاقية كانت إقامة دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، وهو ما لم يحدث، والحكومة الإسرائيلية واضحة في أنها لا تريد إنهاء الاحتلال، ولا إقامة دولة فلسطينية، بل تريد الاحتفاظ بالأراضي كاملة، وجاءت صفقة القرن لتزيد غطرستها. وبصفتي أحد المشاركين في الاتفاقية أظن أنها بحاجة إلى مراجعة جذرية، لأنها لم تحقق ما يصبو إليه الأردن، علما أننا لم نذهب منفردين بل ضمن توجه عربي عقب مؤتمر مدريد مع سورية ولبنان وفلسطين، وكان السقف واضحا وهو إنهاء الاحتلال، ولما وقع الفلسطينيون "أوسلو" دون علم الأردن، وقبلها كان السوريون على وشك التوقيع، توجه الملك حسين للتوقيع منفردا، رغم أنه كان يفضل أن يكون ضمن غطاء عربي.سفير في إسرائيل
• هل أسعدك اختيارك كأول سفير أردني في إسرائيل؟- عمري ما فرحت بهذا المنصب، وقصة تحفظي مشهورة، لولا إصرار الملك حسين على ذهابي، وتوقعت أن الملك سيفضل اختيار شخصية عسكرية أو من المذهب السني، فأنا أردني مسيحي، وعندما طلبت لقاء الملك للاعتذار رفض، ثم جلست ساعات، وسألت نفسي: هل أخشى نعتي بالخيانة؟ هل أخشى صعوبة المهمة؟وفي النهاية ذهبت وتعلمت الكثير، وتواصلت بقوة مع عرب الداخل، وكونك سفيرا في دولة لا يعني أنك تتبنى مواقفها، بل أنت تمثل مواقف بلدك وهي مهمة صعبة، وأعتقد أنني أديتها بشجاعة رغم كثرة الاتهامات التي طالتني دون النظر إلى سجلي المهني هناك، ويكفيني أن حزب "الليكود" طالب بطردي بسبب اصطفافي مع القضايا العربية.• كيف تقيم فترة وجودك هناك؟- أحيانا نظرتنا للأمور تكون سطحية، لكن كوني سفيرا لبلدي في إسرائيل منحني فرصة ذهبية لفهم العقلية الإسرائيلية، وأستطيع القول إن 98 في المئة من المجتمع العربي لا يفهمها، لذلك أقدر من يتعامل مع الإسرائيليين هم عرب الداخل، لأنهم عاشوا تحت الاحتلال، وكان عددهم حوالي 150 ألفا وأصبحوا 1.7 مليون، وبعد الإقامة الجبرية صار لهم أعضاء في الكنيست وتمثيلهم خمسة أضعاف حزب العمل. والمفارقة أننا اعتبرنا من تمسكوا بالبقاء في أرضهم "خونة"، ومن تركوها "أبطالا"، أليس هذا منطقا أعوج؟ وعموما مواقفي ضد إسرائيل معلنة، لكن للأسف لم تتم الاستفادة من خبرتي التي أزعم أنها نادرة في معرفة عقلية الإسرائيليين.• بحكم قربك من ملف المفاوضات، تعاملت مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات... كيف تقيم دوره؟- عرفات فعل الكثير للقضية الفلسطينية، ومرات كان دوره إيجابيا ومرات كان سلبيا، وكانت هناك فرصة كبيرة لدولة فلسطينية قابلة للحياة في اتفاقية كامب ديفيد أيام بيل كلينتون وأظنه أهدرها، وبعض الاعتبارات التي كان يعلنها لم تكن صادقة، مثل معظم السياسيين، وللأسف أعتقد أنه مات مسموما.حل الدولتين
• كنت من مؤيدي حل الدولة الواحدة؟- طالما لا توجد إرادة دولية لحل الدولتين، وطالما هناك أكثر من 7 ملايين فلسطيني في مناطق خاضعة للاحتلال، فأيهما أفضل أن يظلوا تحت الاحتلال للأبد بلا أي حقوق، يعانون من نظام عنصري، أم يتم تهجيرهم، أم تصبح لهم حقوق ويستفيدون من كونهم أغلبية ويطلبون المساواة في الحقوق؟ يبدو هذا الكلام خياليا الآن، لكن كان هناك استطلاع في أميركا وأيد 67 في المئة فكرة حل دولة واحدة متساوية في الحقوق، حتى لو انتفت عنها صفة اليهودية.• هل عملك في إسرائيل كان سبب اختيارك سفيرا في أميركا؟- لا أعتقد ذلك، قبل عملي في إسرائيل كنت مدير مكتب الإعلام الأردني في واشنطن لأربع سنوات، وكنت ناطقا رسميا باسم الوفد الأردني، وأظن أن خبرتي السابقة بالولايات المتحدة هي التي زكتني للمنصب، لأنها بلد لا يدار من مؤسسة واحدة، فهناك البيت الأبيض والكونغرس والخارجية والمؤسسات الإعلامية المختلفة، وكلها جهات تتطلب سفيرا قادرا على التعامل معها كلها، وهذا لا يتحقق إلا من خبرة عمل سابقة هناك.• لم يستمر عملك في إسرائيل طويلا؟- حوالي 10 أشهر، لأن الحكومة تغيرت في الأردن، واختارني رئيس الحكومة الجديد وزيرا للإعلام، رغم أنني من المعارضين لوجود وزارة إعلام أساسا، وقدمت قانونا بذلك إلى مجلس النواب، لكن المجلس تبنى موقفا تقليديا، وظل المشروع معطلا لسبع سنوات. مشكلة الإعلام التقليدي أنه تلقيني، أي أقول للمواطن ما أحب أن يسمعه، ولا أسمح بوجهة النظر الأخرى، لذلك الدولة تسيطر على الإذاعة والتلفزيون والصحافة، أما الإعلام الحديث فيقول إذا أردت إيصال رأيك فعليك أن تعرض الحقائق وتسمح للآخرين بنفس الشيء، والمواطن صاحب عقل كي يميز بنفسه، فهو إعلام مفتوح لمختلف الآراء.• عملت لفترة وزيرا لمراقبة الأداء الحكومي، كيف وجدت التجربة؟- كنت أول وزير لمراقبة الأداء، لكن لم يستمر ذلك طويلا، وكانت الفكرة تحسين الكفاءة والخدمات التي تقدم للناس، وكان ذلك عام 2005 قبل الكلام عن الحكومة الإلكترونية.مكافأة
• هل تعيينك وزيرا للخارجية كان مكافأة لك؟- الملك عبدالله كان مهتما بالإصلاح السياسي، وطلب مني ورقة بهذا الشأن، فأرسلتها عندما كنت سفيرا، وبعد بضعة شهور تغيرت الحكومة وجئت وزيرا للخارجية على أمل العمل على ملف الإصلاح.• هل ندمت على فترة عملك الحكومي؟- لا يوجد إنسان لا يخطئ... لكن لا معنى للندم بأثر رجعي، كنت من المؤمنين بالإصلاح من الداخل، وعندما اقتنعت بأنه ليس ممكنا طلبت إعفائي فأنا خارج الحكومة منذ 15 عاما، لكنني لم أندم على التجربة لأنني حاولت كثيرا واستفدت من هذه المحاولات وتعلمت منها.• هل المشكلة في قانون الانتخابات الأردني؟- القانون مصمم هيكليا لإنتاج مجالس نيابية ضعيفة، فهو لا يعتمد على قوائم حزبية بل على إنجاح أفراد، لأن شراء الأفراد أسهل بالفلوس والوظائف لأبناء المنطقة، لذلك معظم الأردنيين لا يثقون بمجلس النواب، ولا يعتقدون أنه قادر على محاسبة السلطة التنفيذية، حسب آخر استطلاع للرأي قبل "كورونا". والدولة ترفض أن تضع قانونا متطورا بزعم أن الأردنيين غير جاهزين للديمقراطية، رغم أننا كانت لدينا حكومة نيابية عام 1956، ولو نظرنا إلى تجربة تونس قبل 2011 سنجد أنها كانت دولة بوليسية، وسافرت إليها كمراقب دولي، ورأيت كيف تشكل أكثر من 100 حزب في غضون أشهر، ثم تغربلت بعد 9 سنوات إلى حوالي 8 أحزاب، فالبيئة التشريعية المناسبة تسمح للناس بأن تغربل للوصول إلى حياة حزبية فاعلة، ولا يمكن إلقاء اللوم على الأحزاب بزعم أنها غير جاهزة، وبشكل عام ليست هناك ثقة بالحياة السياسية في الأردن، صحيح هناك رغبة في التغيير لكن لا توجد "أدوات" لإنجازه.معارضة
• كيف تقيم فكرة المعارضة والموالاة في ضوء تجربتك؟- أظن أننا بحاجة إلى إعادة تعريف هذه المفاهيم... خلال تجربتي عارضت سياسات الدولة التقليدية من داخلها والأجندة الوطنية والأوراق النقاشية التي طرحها الملك هي وثيقة معارضة، فمن يتفق مع الملك فيها يتهم بالمعارضة، ومن لا يتفق مع تلك الأوراق هو في الحكم، بالنسبة لي أعارض الطريقة التقليدية في إدارة البلاد، معظم الدول العربية اعتمدت سياسة العصا والجزرة، لكننا بحاجة إلى سياسة تشاركية خصوصا أن الحقبة النفطية انتهت إلى غير رجعة، وللأسف قتلت الإنتاجية وجعلتها غير موجودة.• بحكم حضورك السياسي والدولي، كيف تقيم التجربة الديمقراطية في الكويت؟- الكويت تشهد حياة سياسية نشيطة جدا، وإن لم تكن حزبية بشكل مباشر، وهناك نضج سياسي كبير غير موجود في معظم الدول العربية، ومنذ الاستقلال هناك عقد اجتماعي بين أسرة الحكم والشعب، يسمح بوجود برلمان وحياة سياسية، ولا ننسى أهمية الدواوين، ورغم أنها ليست مؤسسات حزبية لكنها فضاء عام مهم لحرية التعبير، وتلعب دورا مؤثرا في تشكيل وصياغة القرار السياسي، ومستوى النقاش السياسي فيها عالٍ جدا، وآمل أن يتطور إلى مؤسسات حزبية، وأظن أن ما يمنع ذلك هو التأثر بطبيعة المنطقة الخليجية.نعتونا بـ «الإلحاد والشيطنة» فاستقلت من «التحالف المدني»
بعد سنوات من العمل الحكومي، شارك المعشر في حزب التحالف المدني، وبسؤاله عن أسباب استقالته منه أجاب: «أنا من المؤمنين بأن العمل الفردي في العالم العربي غير مجد، ولكي يحدث تغيير في إدارة البلاد والعباد هناك حاجة إلى مؤسسات حزبية، فلا يمكن لأي شخص مهما كانت قدراته أن يحقق التطور وحده، وللأسف أعطينا للأحزاب في المنطقة العربية سمعة سيئة، وليس من شك في أن الأنظمة العربية لا تريد حياة حزبية فاعلة تؤدي إلى تقاسم السلطة ومراقبة السلطة التنفيذية مراقبة حقيقية».وأضاف: «رغم ذلك حاولت مع مجموعة من الزملاء إنشاء حزب مدني يؤمن بسيادة القانون والمساواة الكاملة بين المواطنين، واعتقدنا أن هناك فرصة حقيقية، لكن عوامل داخلية وخارجية لم ترد لهذا الحزب أن يرى النور فنعتونا بأننا جماعة ملحدة ضد الدين، ونريد توطين الفلسطينيين في الأردن، وشيطنونا، واتبعوا سياسة ترهيب وترغيب أعضاء الحزب، فوصلت إلى قناعة بأن الحزب ليس الوعاء القابل لتطوير حياة ديمقراطية، لكنني سأظل أعمل من أجل دولة مدنية، لأنه يمكنك قتل الحزب، لكن لا يمكن قتل الفكرة، ولننظر إلى ما حل بلبنان مؤخرا، فنحن كعرب لسنا خارج التاريخ، وقيم الدولة المدنية ستسود عاجلا أم آجلا، ولن أتخلى عنها لمجرد فشل تجربة».