حتى نوري المالكي، رئيس وزراء العراق السابق، لم يصدق أن صحيفة إيرانية تابعة للقيادة العليا ستنتقد المرجع الشيعي الأعلى في النجف السيد علي السيستاني، إذ راح في مجموعات «واتساب» العراقية يطلب من مساعديه أن يتأكدوا من ذلك، بعد أن نشر حسين شريعتمداري، وهو مستشار مقرب للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، مقالاً عنيفاً في فحواه، يقول إن مرجعية النجف ارتكبت خطأ، ويدعوها إلى العودة عنه.وقدم مستشار خامنئي نصيحة للسيستاني؛ مفادها أن من غير الصحيح جعل الأمم المتحدة تشرف على الانتخابات العامة في العراق.
وهذا أمر يعد خطيئة كبيرة عند المجتمع الشيعي، إذ لا يصح نقد المرجع الأعلى بهذه الطريقة، كما أنه يعد خطيئة سياسية بين العراقيين الذين يتحسّسون جداً هذه الأيام من تدخلات إيران.وكان السيستاني التقى، في النجف، ممثلة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت، وكتب بياناً وُصف بأنه تاريخي، جدد فيه احترامه لحركة تشرين الاحتجاجية، ووصف الانتخابات المقررة الصيف المقبل بأنها فرصة للشعب كي يعيد النظر في نوع السياسيين الذين يمثلونه، وطلب من الامم المتحدة رسمياً أن تشرف على الانتخابات، من خلال مكتب خاص يؤسس لهذا الغرض، لكي يضمن فرصة الشعب في تغيير السياسيين.وقال السيستاني إن أحزاب العراق ستندم حين لا ينفع الندم، إذا زوّرت الانتخابات وشعر الشعب بأن نتائجها لا تمثله.
وشعر أنصار خامنئي بحرج واضح مع نشر حسين شريعتمداري مقالته في صحيفة كيهان، لكن الأمر أبعد من هذا عند الرأي العام الشيعي في العراق وخارجه، إذ يُتهم خامنئي بأنه يترقب وفاة المرجع الأعلى في النجف، لتقديم بديل له يوالي نظام طهران وحرس الثورة.ويواجه خامنئي مشكلة كبيرة في هذا الملف، إذ إن النجف حذرة جداً منذ بداية القرن العشرين من علاقتها بإيران وتريد ضمان سلطة روحية مستقلة.كما أن الحوزة العلمية في إيران تناصر النجف، وبقاؤها مستقلةً عن تأثيرات حرس الثورة والمرشد الأعلى يعكس رأي معظم شيعة العالم، الذين يرون أن استقلال السلطة الروحية عن السلطة السياسية أمر ضروري لحفظ الدين.وعلقت أوساط سياسية على مقال شريعتمداري، الذي استشهد فيه بهدهد النبي سليمان والملكة بلقيس وعالم الجان، معتبرة أنه يعكس استمرار الفراغ الذي أحدثه قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، مطلع العام، في بغداد، مضيفة أن هذه الأحداث تدعم الجناح العراقي المعارض لإيران، والمنشغل حالياً في اعتقال عشرات المسؤولين التنفيذيين العراقيين المتهمين بأنهم سرقوا مليارات الدولارات، عبر سنين طويلة، واستثمروها في تمويل الحروب الأهلية في المنطقة، بالشراكة العراقية مع حرس الثورة وحزب الله اللبناني، ولذلك اهتمت الصحافة بأن استجواب هؤلاء المعتقلين في بغداد يجري في المبنى الملكي، الذي أسماه الدكتاتور صدام حسين «قصر النهاية».