مرافعة: رئاسة «القضاء»!
في وقت تتجه الأنظار إلى اختيار عضوين جديدين في المجلس الأعلى للقضاء، بدلا من الرئيس ونائبه الحاليين، واللذين انتهت ولايتهما لبلوغهما السن القانونية، لاستكمال دفة العمل في المرفق القضائي الذي يعاني جملة من القضايا ذات الطابع الاداري والفني، فضلا عن تحديات تطوير العمل في الجهاز القضائي الذي يواجه العديد من العراقيل والصعوبات التي كان لوزارة العدل ومسؤوليها سبب في وجودها على أرض الواقع.ومهما كان شخص الرئيس الجديد وتاريخه القضائي من بين المترشحين لرئاسة محكمة التمييز، ومن ثم رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، يبقى الأهم برأيي قدرته على مواجهة الملفات التي يعانيها الجهاز القضائي، والتي تأتي في مقدمتها ملفات تأخير الفصل في الانزعة القضائية وسهولة التقاضي أمام المحاكم وإيجاد الحلول الناجعة لمشاكل الاعلانات والتنفيذ والحفظ والدفع نحو التقاضي عن بعد والنظر في ملف الرسوم القضائية بما يعكس جدية التقاضي، ومن دون إفراط بزيادتها، والنظر في ملف تكويت القضاء بما لا يؤثر على جودة العمل الفني للاحكام القضائية، والنظر الى المتطلبات الوظيفية التي يفقدها رجال القضاء واعضاء النيابة العامة.
وتلك القضايا التي حاولت العديد من مجالس القضاء العمل على إنجازها أو محاولة مواجهتها، إلا أنه ومع التقدير لتلك الجهود لم تحقق أي تقدم عملي على ارض الواقع من شأنه أن يحرك تلك القضايا الأزلية، والتي بدأت تكبر وتتضخم يوما بعد يوم بسبب ضعف مواجهة تلك الملفات والتي ثبت عمليا من خلال التعاطي على الأقل مع ملف تراكم ملفات الطعون أمام محكمة التمييز، والتي بدأت بـ10 آلاف ملف متراكم الى أن وصلت اليوم الى قرابة 35 الف طعن متراكم امام دوائر التمييز!وعلى الرغم من سهولة الحلول التي كانت قادرة عمليا على مواجهة قضية التراكم فإن التردد في مواجهتها هو ما ضاعف وجودها، في وقت ارتفعت المطالبات نحو زيادة تعيين المستشارين في محكمة التمييز، من خلال نقل عدد من مستشاري «الاستئناف» الى محكمة التمييز، ومن حيث زيادة عدد الدوائر القضائية في محكمة التمييز ولو كانت جلسات مسائية، إلا أنها حلول لم تلق قبولا رغم واقعيتها لمواجهة تلك الزيادات المفرطة في عدد الطعون!هناك العديد من الملفات التي أعيت المتقاضين والمحامين، وعلى مقدمتها قضية الإعلان في الدعاوى القضائية، والتي تحاول وزارة العدل عبر لجانها الاسراع في إصدار لائحة تنفيذية للتشريع الذي أصدره مجلس الامة لتطوير الاعلان الالكتروني، كما أن المتقاضين يعانون ضعف الخدمات التي تقدمها إدارات التنفيذ والتأخير الذي تشهده في تحقيق أقل المتطلبات نحو طلبات التنفيذ، مما يجعل اتمامها أمرا شاقا جدا، فضلا عن غياب الحماية الحقيقية لملفات التقاضي في المحاكم، والتي توضع في خزانات تمكن الجمهور من الاحتكاك او الوصول اليها رغم احالة رئيس المحكمة الكلية قبل عامين لملف سرقة الملفات القضائية، علاوة على ضياع ملفات القضايا، ومنها ملفات الجنح، والتي تسببت في إيقاف حال المتقاضين لأشهر طويلة بسبب فقدها أو عدم القدرة على الوصول اليها!الحال الاداري للمحاكم ليس بالامر الجيد او المقبول، وهو حال شاق على المحامين والمتقاضين، في ظل غياب الادارة الحقيقية للاقسام التي تعمل على تسيير الخدمات للجمهور، والتي تدار حتى الآن بطريقها التقليدي لا التقني، وهو الامر الذي يستلزم من الرئيس الجديد لمحكمة التمييز ولمجلس القضاء أن يجلب معه منظومة عمل قادرة على التعاطي مع ملف التقاضي في المحاكم، بعدما كشف الواقع العملي فشل النهج الحالي في معالجة تلك الملفات.