فرنسا بعد روسيا تحذر تركيا من إذكاء صراع قره باغ
يريفان وباكو ترفضان إطلاق محادثات... والجيش الروسي يتابع الاشتباك
يتخوف المراقبون من ان النزاع بين ارمينيا واذربيجان يتجه نحو مواجهة طويلة الامد بعد أن رسمت باكو مدعومة من انقرة سقفاً عالياً باستعادة السيطرة على اقليم ناغورني قره باغ. وقد يكون التحذير الروسي والفرنسي لأنقرة من صب الزيت على النار مؤشراً واضحاً الى ان هذا النزاع القديم الجديد اصبح ساحة للصراعات الدولية والإقليمية من ليبيا الى المتوسط وصولا الى جنوب القوقاز.
بعد تفجر أكبر موجة قتال بين أذربيجان وأرمينيا منذ وقف إطلاق النار بينهما عام 1994، تبادلت فرنسا وتركيا الاتهامات بشأن الأزمة والقتال الدائر منذ 5 أيام في منطقة القوقاز.وكانت روسيا حذرت تركيا، أمس الأول، معتبرة أن أي تصريحات عن دعم عسكري لأي من أطراف النزاع تُعد بمنزلة صب الزيت على النار. وشن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تشهد علاقته بتركيا توترا بعدة ملفات بينها شرق البحر المتوسط والصراع في ليبيا وسورية، هجوما لاذعا على دعم أنقره لأذربيجان، التي تشترك معها بروابط عرقية وثقافية، ووصف التأييد التركي العلني لأذربيجان بـ"المتهور والخطير".
وقال ماكرون، في تصريحات خلال وجوده في لاتفيا، أمس، "لا تزال فرنسا تشعر بقلق بالغ من الرسائل المولعة بالحرب التي بعثت بها تركيا في الساعات الماضية، والتي تزيل أي عقبات أمام أذربيجان لغزو ناغورني قره باغ مجدداً. ونحن لن نقبل هذا". لكنه أشار إلى أنه ليس لديه دليل في المرحلة الحالية على مشاركة مباشرة لتركيا في القتال الدائر حاليا، بعد اتهامات أرمينية لأنقره بالمشاركة الفعلية في المعارك، واتهم أذربيجان ببدء إطلاق النار الذي تسبب في اشتعال القتال الأحد الماضي في الإقليم المتنازع عليه، وطالب جميع الأطراف بالعودة للهدوء ووقف إطلاق النار، قائلا إنه سيناقش القضية مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، "لاقتراح سبيل للخروج من الأزمة".رد تركيفي المقابل، رد وزير الخارجية التركي مولود غاويش أوغلو على انتقاد ماكرون، معتبرا أن تضامن باريس مع أرمينيا يصل إلى حد "دعم الاحتلال الأرميني في أذربيجان"، في إشارة إلى الاعتراف الدولي بتباعية إقليم ناغورني قره باغ لأذربيجان، رغم خضوعه لسيطرة أغلبية أرمينية أعلنت استقلاله من طرف واحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.وشدد أوغلو، ردا على سؤال عما إذا كانت أنقره تقدم دعما عسكريا لباكو، على أن بلاده "ستفعل ما هو ضروري. إذا أرادت أذربيجان حل هذا الصراع في الميدان"، مشيرا الى ان باكو تتمتع حاليا بالقدرة على التعامل مع الوضع بنفسها.رفض ومتابعةوفي وقت تتزايد الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، وسط مخاوف من تفاقم النزاع واندلاع حرب مفتوحة تستدرج إليها قوى إقليمية، مثل روسيا وتركيا، رفضت يريفان مساعي من موسكو للتوسط في محادثات سلام مع باكو. وأكد رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان أن فكرة إجراء محادثات غير مطروحة بعد، مضيفا: "من غير المناسب الحديث عن قمة بين أرمينيا وأذربيجان وروسيا فيما لا تزال معارك عنيفة جارية"، واعتبر أنه "من أجل إجراء مفاوضات، يجب أن تكون الأجواء والظروف مناسبة".وأشار باشينيان إلى أن يريفان "في هذه المرحلة لا تعتزم طلب تدخل في النزاع من جانب تحالف عسكري بقيادة موسكو"، أي منظمة معاهدة الأمن المشترك التي تضم العديد من الجمهوريات السوفياتية السابقة ومن بينها أرمينيا.في غضون ذلك، أكد الكرملين أن الجيش الروسي يتابع عن كثب التطورات المتعلقة بإقليم قره باغ، وحث الطرفين المتحاربين من جديد على وقف الأعمال القتالية.وموسكو، المرتبطة بمعاهدة عسكرية مع أرمينيا، وتقيم في نفس الوقت علاقات جيدة مع أذربيجان، دعت مرارا إلى وقف أعمال العنف وعرضت المساعدة في إجراء مفاوضات.في هذه الأثناء، أكدت وزارة الدفاع الأذربيجانية تواصل المعارك العنيفة أمس، وقالت إن قواتها قتلت 2300 من انفصاليي قره باغ منذ تفجر المواجهات، مضيفة أن قواتها "دمرت 130 دبابة و200 وحدة مدفعية و25 وحدة مضادة للطائرات، و5 مخازن ذخيرة، و50 وحدة مضادة للدبابات، و55 آلية عسكرية"، إضافة إلى بطارية صواريخ جو - أرض "إس 300" الروسية الصنع.واتهم الانفصاليون بقصف مدينة ترتار، مستهدفين "مدنيين وبنية تحتية مدنية".وقال مساعد لرئيس أذربيجان إلهام علييف، أمس، إن طائرتين مقاتلتين أرمينيتين من طراز "سوخوي 25" تحطمتا أمس بعدما اصطدمتا بجبل، واتهم يريفان بالكذب بقولها إن إحدى طائراتها أسقطت بواسطة مقاتلة تركية، ونفت تركيا وأذربيجان إسقاط الطائرة.وأكدت تقارير مقتل قرابة 100 شخص في المواجهات الأخيرة، ويقول كل طرف إنه كبد الآخر خسائر فادحة.وأدى إعلان قره باغ انفصالها عن أذربيجان إلى اندلاع حرب في مطلع التسعينيات أودت بنحو 30 ألف شخص، ولم يعترف المجتمع الدولي ولا حتى أرمينيا باستقلال الإقليم، وأعلنت الأخيرة وقره باغ الأحد الأحكام العرفية والتعبئة العسكرية، بينما فرضت أذربيجان الأحكام العسكرية ومنعت التجول في مدن كبرى.وبذلت فرنسا وروسيا والولايات المتحدة جهود وساطة ضمن "مجموعة مينسك"، لكن آخر وأكبر تلك المساعي باءت بالفشل في 2010.