فارس وصقار
قال إنه عربي أكثر منه كويتياً، فاق بعروبته الكثير من مدعي العروبة، فقلت بل هو العالمي الذي فاق بعالميته الكثير من زعماء العالم، فهل رأيت زعيماً لدولة لا تكاد تظهر على خريطة العالم يبزّ بسلاح دبلوماسيته أقرانه من زعماء العالم فيزاحمهم سطوة وبروزاً. كان هذا هو الحوار الذي دار بيني وبين صديق لي من السودان، أرسل يعزيني بوفاة المغفور له بإذن الله صباح الأحمد الجابر الصباح. هذه حقيقة تنعكس علينا- نحن الكويتيين- وتتجلى مظاهرها، فأينما نكن وفِي أي زمان تكن لنا الحظوة والمكانة المتميزة من دون الكثير من الآخرين، وما ذاك إلا بفضل ما ينتهجه الأمراء عندنا من اهتمام بشعوب الأرض وتقديم الدعم المادي والمعنوي لها بما يقيل عثارها ويضمد جراحها.
وبالأمس فقدنا- نحن الكويتيين- رمزاً كبيراً من رموز العمل الإنساني، كان ولا يزال وسيبقى نبراساً يهتدي به المحبون للإنسان كإنسان، يفنون أعمارهم ويتسامون على جراحهم ليدخلوا الطمأنينة إليه، بالأمس فقدنا عزيزاً حاز كل هذه الخصال مجتمعة في شخصه الطيب الذكر صباح الأحمد، طيب الله ثراه وأسكنه من الجنان أفسحها ومن الدرجات أعلاها. بالأمس والأمس البعيد ومنذ أول عهده بالمسؤولية وطّد هذا الإنسان عزمه على فعل الخير من غير منّة وفِي أصقاع الأرض القصية، ولأي مستحق ومحتاج، فكان في الكويتية كويتياً، وفِي العروبة عربياً وفِي القومية قومياً، حاز قصب السبق على من تغنى بها، ورفض التفريط بالمقدسات ونادى بوحدة فلسطين أرضاً وشعباً ودماً رافضاً كل الضغوط التي مورست عليه، والتي كان هدفها التطبيع مع من احتل أرض فلسطين، وأزهق حق الفلسطينيين، وأودى بآمالهم، وعندما استعرت نار الفتنة على أرض اليمن الشقيق لم يقف مكتوف اليدين، بل كان متقدما على كل الزعماء العرب، وحاول لمّ شمل اليمنيين فكان أن احتضنتهم أرض الكويت وأحسنت وفادتهم، ومع اكتشافه تلاعب بعض الأطراف في هذا النزاع الذي ضاعف محنة اليمنيين فإنه لم يتوقف ولم يفقد الأمل برأب الصدع بينهم. وعندما استعرت نار الفتنة بين دول مجلس التعاون الخليجي ازداد في بذله لجهد لم يكن متوافقا والسنّ التي بلغها، ولم يأبه لما اعتراه من الأسقام، بل رأيناه ينتقل بين دول المجلس لا يكاد يحط رحالاً في قطر إلا شدّ رحالاً إلى قطر آخر، متحاملا على آلامه، يجر جسده المنهك، طارقاً الأبواب راسماً الابتسامة على محياه في محاولة منه لرأب الصدوع وبلسمة الجراح بين مختلف الأطراف المتخاصمة، ونحن إذ نرى ما نراه من الكم الهائل الذي يبذله في هذه السنّ المتقدمة فنردد بلوعة وحزن «ترفق بنفسك يا رجل إنك تهلكها».نحن دولة صغيرة في مساحتها قليل عدد سكانها، إلا أن قادتها كانوا كباراً، فقادوها إلى العلا ونحن دولة يعتقد البعض أنها ضعيفة، لكنهم لا يعتقدون أن فيها من جوانب القوة ما لا يخطر لهم على بال، فالضعيف لا يكون له قوة الصوت الذي به نتمتع، نعم إن لنا صوتا مدويا يفتقر إليه ممن يعتقدون أنهم كبار، نعم إنه الدوي الذي صنعه قادة لنا كبار، كان أحدهم من ووري الثرى في الأمس، فليس كل من كان حجمه كبيراً كان صوته كبيراً، وليس كل من امتطى صهوة الخيل فارساً، وليس كل من جنى الطير صقاراً.