بتولي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد مقاليد الحُكم، تكون الكويت قد دخلت عهداً جديداً لا يخلو من تحديات تتعلق بحاضرها ومستقبلها.وعلى تباين التحديات، فإن تصاعدها بشكل أساسي يعود إلى عنصرين أساسيين؛ الأول يتمثل بمحدودية قدرات الإدارة العامة في إدارة ملفات الدولة، والثاني: غياب المشروع الاقتصادي الواضح الذي يعالج الاختلالات الحالية ويرسم طريق المستقبل.
وإذا كانت أسعار النفط المرتفعة نسبياً في السنوات الماضية قادرة على تغطية مختلف الاختلالات، لاسيما الاعتماد شبه الكُلي على النفط، أو الإنفاق المنحرف في الميزانية على أبواب الرواتب والدعوم، أو حتى الإنفاق الاستثماري ذاته، فضلاً عن الهدر الكبير في المصروفات، وكذلك غياب مشاريع الإصلاح السياسي، وتطوير آليات الإدارة وحوكمة المؤسسات، لا سيما السُّلطتين التشريعية والتنفيذية، إلى جانب إصلاح واستقلال القضاء، فإن أسعار النفط المنخفضة حالياً، التي لا ترتبط فقط بتداعيات جائحة كورونا، بل بتحديات متعددة في سوق الطاقة، كضعف الطلب العالمي، بالتوازي مع وفرة الإنتاج من دول «أوبك» وخارجها، فضلاً عن الشركات الأميركية، ستؤدي إلى مشكلة تتمثل بعجز مالي متوقع لميزانية الدولة لعام 2020-2021 يصل إلى 14 مليار دينار، وتوجُّه حكومي قوي لدخول سوق الدَّين العام بلا خطة اقتصادية تضمن عدم تكرار أوجه الإنفاق والسياسات المالية غير السليمة، التي أدَّت إلى استنفاد سيولة الاحتياطي العام، وخفَّضت من فرص تحقيق الإصلاح الاقتصادي، رغم فوائض الـ 13 عاماً المليارية منذ عام 2002.والحديث عن اختلالات الاقتصاد مُكرر، ولا يكاد ينتهي، والمهم هو تحديد آليات المعالجة، التي يمكن تلخيصها في:
الإدارة والمؤسسات
أولاً: تطوير الإدارة العامة، ودعم المؤسسات، وخاصة فيما يتعلق بآليات اختيار الوزراء والقياديين في الدولة، بعيداً عن المحاصصة أو تغليب معايير الولاء على الكفاءة، وتطوير العمل السياسي في الكويت، عبر إشهار الأحزاب، ورفع القيود التي فُرضت على جمعيات النفع العام، والعمل على استكمال بناء المؤسسات، للوصول إلى الوضع الطبيعي للإدارة الرشيدة في معظم الدول المتقدمة، وهي الحكومة المنتخبة من أحزاب الأغلبية البرلمانية، ولو بشكل تدريجي يضمن الحد من شعبوية المقترحات وكفاءة الإدارة القائمة على برامج تنموية حقيقية.وتكون أولى خطوات هذا الإصلاح على المدى القصير، من خلال تحقيق مصالحة وطنية تشمل العفو عن السجناء السياسيين وأصحاب الرأي، وتعديل النظام الانتخابي الحالي، المعزز ليس فقط للمعايير الفئوية والأمراض الطائفية والقبلية والعنصرية، بل أيضاً العمل الفردي المُضر بالعمل البرلماني، بما ينعكس سلباً على كفاءة تشريع القوانين وتراجع مستوى الرقابة.المشروع الاقتصادي التنموي
ثانياً: إطلاق مشروع اقتصادي تنموي يعالج جميع الاختلالات المزمنة التي تعانيها الكويت. وتكون المعالجة وفق برامج زمنيَّة محددة تتبيَّن فيها معايير نجاح أو فشل الحكومات المكلفة، بحيث تكون الأولوية لزيادة نسبة الإيرادات غير النفطية من مُجمل الإيرادات، وتوفير فرص عمل للشباب الكويتيين خارج منظومة القطاع العام، وتعديل التركيبة السكانية بما يناسب احتياجات الاقتصاد والمجتمع، ورفع نسبة القطاع الخاص في الناتج المحلي، وجذب الأموال الأجنبية إلى الكويت، وتحفيز نظيرتها المحليَّة، وخلق فرص استثمارية متتالية.وعلى المدى القصير، مطلوب اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع أزمة السيولة، كإعادة النظر في فلسفة إعداد الميزانية، ووضع سقف مُحكم لمصروفاتها، بما لا يقل عن 3 سنوات مقبلة، ومراجعة الإيرادات المتأتية من أملاك الدولة، ناهيك عن الاقتراض من المؤسسات المستقلة لتمويل الميزانية، كإجراء يقلل من مخاطر الدَّين العام.السنوات الأخيرة
لقد تراجعت الكويت في السنوات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة في المؤشرات الدولية، وتراجَع تصنيفها السيادي، وانتقلت من مراحل الفوائض المالية إلى العجز المالي، وباتت قصص الرشا والأموال المشبوهة وعمليات غسل الأموال حديث الناس، لم يسلم منها مشاهير السوشيال ميديا، ولا نواب في المؤسسة التشريعية، الذين بأيديهم إقرار القوانين والميزانيات.لذا، أصبح من الضروري أن تشهد الكويت اليوم نفضة تعالج هذه الاختلالات، لأن التحديات المستقبلة يبدو أنها لن تكون بسهولة ما مضى من سنوات، لا سيما مع الآفاق القاتمة لسوق النفط، مما يستوجب إصلاحاً على مستوى الإدارة والاقتصاد، لتوفير مرونة في التعامل مع التحديات.