أربكت العلاقة الوثيقة، والمعقّدة أيضا، بين رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين المشكّكين، لأنها صمدت رغم الخلافات بين الجانبين في كل من سورية وليبيا، لكنها تشهد توتراً حالياً بسبب الصراع المستجد في إقليم ناغورنو كاراباخ، المختبر الجديد للعلاقة بين الزعيمين.فبوتين الذي ينظر إلى منطقة القوقاز المضطربة على أنها جزء من «الخارج القريب» لروسيا، يريد أن تدفن أذربيجان المسلمة وأرمينيا المسيحية عداوتهما التاريخية لكي يحلّ السلام، لكن إردوغان يحضّ أذربيجان على مواصلة حملتها حتى ينسحب الانفصاليون الأرمن «من كل شبر من الأراضي الأذربيجانية».
يزوّد «الكرملين» كلا من يريفان وباكو بالأسلحة، علما بأن أرمينيا، رغم أنها أفقر وأصغر من جارتها الشرقية الغنية بالموارد، هي أيضا جزء من تحالف دفاعي تسيطر عليه موسكو، وتستضيف قاعدة روسية.وفي إطار موازنة مصالحه الخاصة، أظهر «الكرملين» دعماً فاتراً لأرمينيا التي أثار رئيس وزرائها الحالي نيكول باشينيان غضب موسكو في السابق.وقال مدير مكتب أنقرة في صندوق مارشال الألماني الأميركي أوزغور أونليسار شيكيلي «إن دعم تركيا لأذربيجان ليس بالأمر الجديد، لكن تردد روسيا في دعم أرمينيا هو كذلك. لذا، لا أعتقد أن إردوغان قد أثار غضب بوتين، حتى الآن».لكن إذا شعرت روسيا بالتهديد «إلى حد يستحق تفكيك العلاقة التي كانت تطورها مع تركيا، فيمكنها الانتقام في ليبيا، وعلى الأرجح في سورية»، بحسب أونليسارشيكيلي.وقال إمري كايا من مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول، إنه من المرجح أن تردّ روسيا إذا تجاوزت أنقرة إمداد باكو بالدعم الاستخباراتي واللوجيستي، أو إذا حققت أذربيجان مكاسب عسكرية سريعة.وأضاف: «عندها، يمكننا بالتأكيد توقّع هجوم مدعوم من روسيا على القوات التركية المتمركزة في سورية أو ليبيا».
باشينيان
وفي كلمة متلفزة بعث بها إلى الأرمن داخل البلاد وخارجها، قال رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان أمس: «ربما نمر بلحظة حاسمة في تاريخنا. لا تسعى العصابات الأذرية ـــ التركية إلى حل قضية كاراباخ فقط، بل إن هدفها هو الأرمن في كل أنحاء العالم، وهي تريد مواصلة سياسة إبادة الأرمن». وأضاف أن «عشرات الآلاف من عسكريي أذربيجان يهاجمون المواقع الأرمنية في كاراباخ باستخدام مئات دبابات وآليات قتالية وصواريخ وطائرات ودرونات»، لافتاً إلى أن «أكثر من 150 مسؤولا عسكريا تركيا رفيع المستوى يتولون قيادة الهجوم الأذري». وتابع: «يجب علينا مع إرادتنا، كسر صلب العدو كي لا يتحرش أبدا في المستقبل بأراضينا المقدسة».باكو
ورداً على الاتهامات من يريفان وباريس وموسكو باستقدام تركيا مرتزقة سوريين لدعم باكو، قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، أمس، إن «أرمينيا تجنّد أشخاصا من الشرق الأوسط، ولدينا أدلة على أنهم ليسوا من أصول أرمنية، وحتى وإن كانوا، فلن يحدث ذلك فارقا، فوجود شخص يقاتل كمرتزق هو أمر ينبغي التعامل معه على الصعيد العالمي».ويبدو أن الرئيس الأذربيجاني يشير الى متطوعين أرمن بدأوا يتدفقون الى الجبهة قادمين من عدة دول، بينها سورية ولبنان وإيران. من جهته، كرر الرئيس علييف الدعوة إلى انسحاب القوات الأرمنية من «الأراضي المحتلة» الأذربيجانية كـ «شرط مسبق» لوقف إطلاق النار.وقال في مقابلة مع قناة الجزيرة «سنستعيد أراضينا، هذا حقنا الشرعي وهدفنا التاريخي».وأضاف: «لا نستطيع أن ننتظر 30 عاماً إضافياً (...) يجب أن تجري تسوية نزاع كاراباخ الآن».وجدد الرئيس الأذربيجاني رفض لقاء المسؤولين الأرمن للتفاوض، لأنه لا يرى جدوى من عقد لقاءات بلا جدول أعمال واضح بينه وبين رئيس الحكومة الأرمنية نيكول باشينيان.الأوضاع الميدانية
ميدانياً، وفي اليوم السابع للاشتباكات أعلنت وزارة الدفاع الأرمنية، أمس، صد هجوم واسع النطاق شنته قوات أذربيجانية على المحورين الشمالي والجنوبي من خطوط التماس في كاراباخ. واتهمت أذربيجان باستخدام أسلحة بعيدة المدى في قصف أهداف مدنية حيوية أدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية في المنطقة، واستهداف السكان المدنيين بقنابل عنقودية إسرائيلية الصنع. ونشرت صوراً تظهر أجزاء من القنابل العنقودية العائدة لراجمات LAR-160.في المقابل، أفادت وزارة الدفاع الأذربيجانية بأن قواتها سيطرت على نقاط ارتكاز جديدة على خط التماس، و«قامت بتطهير مناطق». وأوضحت أن «المعارك الشرسة مستمرة على طول الجبهة».المبادرة الفرنسية
ويشير استمرار المعارك الى أن البلدين قررا عدم الالتفات الى المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال اتصاله أمس الأول بزعيمي البلدين، والتي تنص على العودة الى طاولة المفاوضات. وفرنسا هي عضو في مجموعة مينسك الدولية المعنيّة بالصراع في كاراباخ، والتي تضم فرنسا والولايات المتحدة وروسيا. وتعيش أقلية كبيرة من الأرمن في فرنسا، وهناك تعاطف كبير مع الأرمن أسفر عن تبنّي البرلمان الفرنسي لقانون الاعتراف بـ «الإبادة الجماعية التركية للأرمن في الحرب العالمية الأولى».طهران
وفي إيران، لا يزال التوتر يتصاعد بعد التحركات التي شهدتها 4 محافظات تعيش فيها غالبية أذربيجانية هي أذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وأردبيل وزنجان. وتتخوف طهران من انتفاضة أذربيجانية، بسبب موقفها البارد تجاه باكو التي لديها علاقات أمنية مع إسرائيل، وقربها التاريخي مع يرفان. ويعيش في إيران نحو 10 ملايين شخص من ذوي الأصول الأذربيجانية، ونحو 100 ألف نسمة من الأرمن.والجمعة، أعلن ممثلو المرشد الأعلى علي خامنئي في المحافظات الأذربيجانية دعمهم لأذربيجان ضد أرمينيا، مؤكدين أنه يحق لباكو بسط سيطرتها على كاراباخ.جاء ذلك، غداة قيام عدد من الشبان الأذربيجانيين الإيرانيين بإيقاف شاحنات كانت تتوجه من إيران الى أرمينيا بعد تقارير عن نقل أسلحة الى يريفان عبر الحدود، الأمر الذي استدعى نشر قوات من وحدات مكافحة الشغب والحرس الثوري في المناطق الأذربيجانية.كما فرّقت الشرطة تظاهرات داعمة لأذربيجان، بينما أكد مصدر، أن الأجهزة الأمنية اعتقلت عدداً كبير من الشبان الأرمن والأذربيجانيين الذين كانوا يهمّون بالتوجه الى منطقة القتال.وأمس، حذرت وزارة الخارجية الإيرانية، أرمينيا وأذربيجان، بعد سقوط قذائف على أراضيها جراء المعارك في كاراباخ.وقال الناطق باسم «الخارجية» سعيد خطيب زاده: «التحركات والاشتباكات عند مناطقنا الحدودية خطيرة، ونرصدها بشكل حساس للغاية». وأضاف: «بينما تراقب إيران هذه الاشتباكات، تعلن أن أيّ هجوم على أراضيها من قبل أي من الأطراف المعنية في المنطقة غير مقبول على الإطلاق، ونحذّر جميع الأطراف لتوخي الحيطة والحذر اللازمين في هذا الصدد».وتابع: «نجدد التأكيد على ضرورة احترام وحدة أراضي أذربيجان، وعدم الاعتداء على المدنيين، ووقف الأعمال العدائية، وبدء محادثات جادة في الوقت المناسب، وطهران على استعداد للمساعدة في تحقيق هذه الأهداف».