كانت صور الشواطئ والأطباق الشهية تترك مساحة قليلة للشعارات البيئية والنسوية عبر «إنستغرام»، غير أن حركة مناهضة العنصرية ووباء «كوفيد-19» سرّعا تحوّل الشبكة إلى منصّة محببة لدى الناشطين بعد عشر سنوات على إطلاقها.

وتقول ريبيكا ديفيس التي أنشأت سنة 2016 حساب «رالي أند رايز» المخصص للالتزام السياسي في القضايا اليومية «شعر مستخدمون كثر ببعض الازدراء إزاء فكرة نشر صورة كوب من العصير لدى التفكير بما يحلّ بالناس من البطالة والأمراض والعنصرية وما إلى ذلك».

Ad

وخلال الأشهر الماضية، ازداد عدد متابعيها بأكثر من الضعف، من 10 آلاف إلى 24 ألفاً.

وتوضح الشابة المتحدرة من نيويورك «الأمر لا يعني أننا لم نعد قادرين على نشر صور جميلة، لكن بات هناك بحث عن التوازن».

وفي مايو الفائت، أثار مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض، موجة تظاهرات في الولايات المتحدة رفضاً للعنف الممارس من جانب الشرطة والتمييز العنصري المستمر حتى اليوم.

وبالموازاة، انعكست تدابير الحجر المتصلة بوباء «كوفيد-19» ازدياداً كبيراً في الوقت الذي يمضيه المستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى مشارف الانتخابات الأميركية وفي ظل انتشار الأخبار الكاذبة، «يتوق الناس بشدة إلى نصائح وإرشادات للتحرك»، وفق ريبيكا.

وقد تكاثرت أيضاً في الفترة الأخيرة الدعوات لتوقيع العرائض أو تقديم التبرعات أو توجيه رسائل نصية إلى هواتف المسؤولين.

وسلّم مشاهير بينهم هيلاري كلينتون وكورتني كارداشيان إدارة حساباتهم مدة 24 ساعة لشخصيات من الأميركيين السود بهدف إيصال صوتهم على نطاق أوسع.

وتقول إميلي باترسون المسؤولة عن شبكات التواصل الاجتماعي في منظمة «إيه سي أل يو» النافذة للدفاع عن الحقوق المدنية، إن «إنستغرام أداة أكثر فعالية في التعبئة السياسية من المنصات الأخرى».

هذه الإمكانات السياسية لتطبيق تشارك الصور الذي تخطى عدد مستخدميه المليار في 2018، لم تُكتشف في 2020.

فقد شكّل العام 2016 منعطفاً أول في هذا المسار مع إطلاق خاصية القصص «ستوريز»، وهي منشورات تزول تلقائياً بعد 24 ساعة، وقد أضافت الشبكة تدريجياً أدوات لتشارك المضامين.

كما أن أفراد الفئات المستهدفة بصورة خاصة من الحركات السياسية، وهم المراهقون والبالغون الشباب، ناشطون بقوة عبر «إنستغرام».

وتوضح إميلي باترسون «على فيسبوك، هناك أيضاً أهلكم وحبيبكم السابق وجميع الناس الذين التقيتموهم حتى ولو مرة واحدة»، أما إنستغرام «فيضم مزيجاً جيداً من الأصدقاء والمجتمعات التي تهمّ المستخدمين والمنظمات الملتزمة... وهي المنصة التي يمضي عليها الناس الوقت الأطول».

وقد سُجلت نتائج ملموسة في هذا الإطار، كما حصل خلال حملة ضد إجراءات السلطات الأميركية بفصل الأطفال عن أهاليهم المهاجرين على الحدود مع المكسيك، إذ «تلقينا شكاوى من محامين عن الحكومة سئموا من حملات الناس ضدهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي وكانت تحصل بشكل رئيسي على إنستغرام»، بحسب باترسون.

واستقطبت الناشطة السويدية الشابة غريتا ثونبرغ من أجل المناخ آلاف الشباب من حول العالم دعما لكفاحها، خصوصاً عن طريق «إنستغرام».

وقد أظهرت «إنستغرام» فعالية في حشد مزيد من الداعمين للقضايا البيئية، وهو ما تجلى بعد انتشار صور دببة قطبية تخسر موائل عيشها الطبيعية أو حيوانات كوالا مصابة بعد حرائق أستراليا.

وفي مصر، شكّل حساب على «إنستغرام» بعنوان «أسالت بوليس» ("شرطة التحرش") شرارة انطلاق حركة نسوية ضد التحرش الجنسي، خصوصاً من خلال نشره شهادات من ضحايا هذه الارتكابات الشائعة في البلاد.

ويفيد الناشطون والجمعيات خصوصا من تنوع الأدوات التي تقدمها «إنستغرام»، ومن إمكانية نشر منشورات بنسق «طويل» تتيح لهم على سبيل المثال عرض سلسلة أفكار وحجج مختلفة لدعم قضاياهم.

ويقول عالم المناعة الأميركي د. نوك الذي استحال ناشطاً علمياً مع بدء تفشي جائحة «كوفيد-19» لتفسير ماهية الفيروس «الناس يستخدمون التطبيق بداية من أجل الترفيه، يجب اعتماد عنصر المباغتة لاجتذابهم».

ويمضي هذا العالم ساعات طويلة في إعداد فيديوهات لتطبيق «تيك توك» يعيد نشرها في ما بعد على «إنستغرام»، حيث لديه 20 ألف متابع (في مقابل 200 ألف متابع على "تيك توك").

ويشير إلى أن «خوارزميات تيك توك تتيح مزيداً من النمو، بصرف النظر عن عدد المتابعين».

ويشكّل التطبيق الجديد الذي يضم 700 مليون مستخدم حول العالم، مصدر تهديد لـ «إنستغرام» في السباق على لقب أكثر التطبيقات رواجاً في المرحلة الحالية، ويفضل ناشطون كثر التطبيق المملوك لشركة «بايت دانس» الصينية على نظيره التابع لشبكة «فيسبوك» الأميركية لناحية مساعدته على الانتشار السريع للمقاطع المصوّرة، لكنهم مع ذلك يحتفظون بحسابات على «إنستغرام»... للمنشورات المرتبطة بالحياة الخاصة.