يا دارَ سلْوى

خَـبَـرٌ بِهِ قَلْبُ الْكُـوَيْتِ تَفَطَّرا

لِلّـهِ ما فَعَلَ الْقَضاءُ وَما جَرى

غَـصَّـتْ بِهِ الْآذانُ عِنْدَ سَـماعِـهِ

وَبِهِ غَدا وَجْهُ الْحَياةِ مُكَدَّرا

وَتَتابَعَتْ سُحُبُ الْعُيونِ... وَلَمْ تَزَلْ

بِدُمـوعِها تَبْـكـي الْأَميرَ تَحَسُّـرا

ما إنْ أَذاعوا نَعْيَهُ حَتّى غَدا

سَهْمًا نَراهُ إلى الْقُلوبِ مُسَيَّرا

قَدْ قَطَّعَتْ مِنّا الْـمَنِـيَّةُ شَمْلَنا

وَكَفى بِها سَيْفًا عَلَيْنا مُشْهَرا

ما زالَتِ الْأَعْمارُ تَخْـشـاها... وَهَلْ

يَخْـشى الضِّياءُ سِوى الظَّلامِ إذا انْبَرى

وَنَرى سَـوابِـقَ خَـيْـلِـها وَصَـلَـتْ إلى

كُلِّ النُّفوسِ فَلا مَلاذَ وَلا ذَرى

وَصَـلَـتْ وَمِنْها دارُ سَلْوى قَدْ بَكَتْ

وَبُكاؤُها أَبْـكـى الْجَميعَ تَكَدُّرا

يا دارَ سَلْوى جادَكِ الدَّمْعُ الَّذي

ما زالَ يَهْمي حُـرْقَـةً وَتَحَيُّرا

يا دارَ سَلْوى أَيْنَ بانيكِ الَّذي

بَنَتِ الشُّموسُ بِهِ النَّهارَ الْـمُزْهِرا

يا دارَ سَلْوى وَالْعُيونُ مَـريـضَـةٌ

أَيْنَ الدَّواءُ فَلا رُقادَ وَلا كَرى

يا دارَ سَلْوى أَنْتِ أَنْتِ مَنارَةٌ

فَلِمَ الْـمَنارَةُ لا تُنيرُ لَنا السُّـرى

بِالْأَمْسِ كُنْتِ مِنَ الْأَميرِ مُضاءَةً

وَالْيَوْمَ فيكِ نَرى الْكُسوفَ مُسَيْطِرا

طُـوِيَتْ صَحيفَتُهُ... وَكُلُّ قُلـوبِنا

طُـوِيَتْ لِذلِكَ لَـوْعَـةً وَتَأَثُّـرا

حَمَلَتْهُ أَفْئِدَةٌ تَراهُ ضِياءَها

وَالْيَوْمَ تَحْمِلُهُ الرِّقابُ إلـى الثَّرى

وَمَشـى الْكِبارُ بِنَعْشِهِ حَتّى مَشَتْ

فينا مَشـاعِـرُنا الْحَـزينَـةُ أَنْهُرا

وَبِقَبْرِهِ دُفِنَ الْأَميرُ... وَلَمْ تَزَلْ

كُلُّ الْقُلوبِ لَهُ نَراها أَقْبُرا

والَهْفَتاهُ عَلى ابْتِسامَتِهِ الَّتي

مِنْ بَعْدِها صَـفْـوُ الرُّقادِ تَعَذَّرا

كُنّا وَكانَ الصَّبْرُ عِنْوانًا لَنا

وَالْيَوْمَ لا نَرْجو سِوى أَنْ نَصْبِرا

رَحَـلَـتْ بِيَوْمِ رَحيلِهِ الْهِمَمُ الَّتي

كَمْ كانَ يَسْقيها سَناهُ الْأَزْهَرا

مُذْ كانَ وَالْإشـراقُ عِنْوانٌ لَهُ

أَوَلَيْسَ إشْـراقُ الصَّباحِ مُكَرَّرا

كَمْ كانَ مَعْـروفًا بِإنْسانِيَّةٍ

ما زالَ عـالَمُنا بِها مُتَـحَـضِّـرا

واخْتارَهُ لِيَكونَ أَوَّلَ قائِدٍ

تَسْمو بِهِ لَقَـبًا مُضيئًا مُسْفِرا

كُلُّ الشُّعوبِ لَهُ تُقِرُّ بِفَضْلِهِ

وَكَفى بِهِ فَضْلًا نَراهُ مُـوَقَّـرا

وَبِهِ أَضاءَ عَلى الْجَميعِ تَسامُحٌ

ما كانَ أَجْمَلَ مُبْتَغاهُ وَأَشْهَرا

جَعَلَ السِّياسَةَ بِالْعَطاءِ سَفينَةً

وَبِها مَضـى بَيْنَ الْـمَمالِكِ مُبْحِرا

وَشِـراعُها الْإيمانُ بِالْعَمَلِ الَّذي

يَبْقى عَلى مَرِّ الزَّمانِ مُقَدَّرا

هُوَ والِدُ الْفُقَراءِ... وَهْوَ لَهُمْ يَدٌ

وَسَخاؤُهُ نِعْمَ السَّخاءُ إذا جَرى

وَبِخِـــدْمَـةِ الشّاكينَ مِنْ نَكَباتِهِم

مَدَّ الْجُسورَ إلى الشُّكاةِ وَعَمَّرا

طَبَعَ ابْتِسامَتَهُ عَلى شَفَةِ النَّدى

فَغَدا النَّدى بِجَـمالِها مُسْتَبْشِـرا

هذي مَناقِبُهُ الَّتي ازْدانَتْ بِهِ

وَالْيَوْمَ نَبْكيهِ فَقيدًا مُقْبَرا

وَبِكُلِّ ما فـي الْجانِحاتِ مِنَ التُّقى

نَدْعـو الْإلهَ بِأَنْ يُريهِ الْكَوْثَرا

وَبِأَنْ تَكونَ جِـنانُـهُ مَـثْـوًى لَهُ

وَلِباسُهُ مِنْ سُنْدُسٍ قَدْ أَزْهَرا

يَبْقى كَما يَبْقى السَّنا... وَوَفاتُهُ

خَـبَـرٌ بِهِ قَلْبُ الْكُـوَيْتِ تَفَطَّرا

شعر/ وليد القلاف (الخراز)