مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي في العالم وفي مجتمعنا بشكل خاص، بات امتلاك العديد من الأفراد حسابات شخصية في هذه الشبكات أمراً طبيعياً، ومن جراء هذا الانتشار من الطبيعي أن تشاهد التنوع في المواضيع والنقاشات.ويدور في الذهن هنا ماذا لو كان الموظف عبر مشاركاته قد انتقد علناً جهة عمله أو مسؤوله المباشر؟ هل يحاسب على ذلك جنائياً فقط أم تتعدى هذه المسؤولية لتصل إلى مساءلته أدبياً داخل جهة عمله؟
وللإجابة عن ذلك يجب أن نبين أنه صحيح أن الدستور الكويتي قد كفل حرية الرأي والتعبير ونشره بالقول أو الكتابة كما جاء وفق المادة 36 منه، إلا أن هذه المادة قد قيدت تلك الحرية بأن تكون وفق الشروط والأوضاع التي يبينها القانون، بمعنى إن كان هناك نقد عام نحو إلقاء الضوء على السلبيات الموجودة في المرفق العام لتجنبها فلا محل هنا لمخالفة القانون، بل أجمعت المبادئ القانونية المستقرة على الإباحة والترحيب بها على ألا يتحول هذا النقد إلى وسيلة للمساس بحياة الموظف المكلف بالخدمة العامة، خاصة وان طوت بعض كلماته في التجريح بشخص الموظف أو الإساءة إليه، كما في حال السب مثلاً، وهنا قد ارتكب المدون جُرماً، وتطبق عليه المادة 209 من قانون الجزاء (كل من أسند لشخص... واقعة تستوجب عقاب من تنسب إليه أو تؤذي سمعته) يعاقب بالحبس أو الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين.وفي حال القذف أيضاً وفي ذات القانون كما نصت عليه المادة 210 منه على ان «كل من صدر منه... سب لشخص آخر بنحو يخدش شرف هذا الشخص أو اعتباره دون أن يشتمل هذا السب على اسناد واقعة معينة له» يعاقب بالحبس أو الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، كذلك ينطبق عليه ما نصت عليه المادة 3 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (الفقرة الرابعة)، والتي تعد المساس بكرامة الأشخاص أو خدش لشرفهم أو اعتبارهم أو لسمعتهم يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو الغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تتجاوز عشرين ألف دينار.ولا يقتصر الأمر هنا على العقوبات الجزائية فقط، إذ قد يذهب البعض إلى مجازاة الموظف إدارياً أيضاً رغم مناداة البعض الآخر بانتفاء المحاسبة، باعتبار أن الحساب شخصي وما يدون به خارج أوقات العمل الرسمي، إلا أن هذا الدفع مردود عليه بحسبان ان ما استقرت عليه المبادئ في المحاكم الإدارية قد بينت ان نطاق المخالفة التأديبية على الاعمال المخلة بواجبات الوظيفة العامة فيما يتعلق بتأديتها داخل مكان العمل أو أثناءه أو بسببه، إنما يتسع نطاقها كذلك، وينصرف إلى الاعمال المخلة بكرامة الوظيفة واعتبارها خارج نطاق العمل.ومن ثم فإن تصرفات الموظف الشخصية خارج نطاق عمله، والتي ينعكس أثرها على وظيفته بالسلب تشكل جريمة تأديبية، فإذا انحرف الموظف بسلوكه الشخصي وسلك مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب لها أو يؤثر تأثيراً سيئاً على كرامتها واعتبارها فإن مسلكه هذا يشكل في حقه مسلكاً معيباً يستوجب مؤاخذته تأديبياً.باختصار فإن حسن اختيار الألفاظ والاعتدال في وصف الجمل وعموميتها هو أمر مباح من أجل تصويب عمل المرفق العام وتنظيم العمل به، أما الشدة في اختيار الكلمات، وما تصل إليه أحياناً من مساس، بشكل مباشر، بالأشخاص المُكلفين بالخدمة العامة، أثرها قد لا ينعكس على الموظف المُكلف فقط بل يمتد أيضاً إلى المساس بحياتهم وأسرهم كذلك أن هذا الانتقاد قد لا يخدم المرفق العام بشيء، بل تنتفي معه جميع النوايا الطيبة في تنظيمه وتصويب أعماله، وفي النهاية تعود تلك الألفاظ على من أطلقها بالمحاسبة والعقوبات المقررة.*باحث قانوني
مقالات
مسؤولية الموظف في النقد
06-10-2020