سجلت أسعار النفط انخفاضا خلال الأيام السابقة، ما أعاد للأذهان مخاوف حول مسار مستويات الأسعار، وتأثيرها على موازنات المنتجين، وإسهامها في زيادة العجز، خصوصا إذا ما هبط سعر برميل النفط إلى ما دون 40 دولارا للبرميل.

وقد ازدادت المخاوف خلال اليومين الماضيين، مع إعلان إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفيروس كورونا.

Ad

وربما سيظل تذبذب الأسعار العلامة المميَّزة في السوق، ودليلا على عدم وضوح المؤشرات حول مسار أساسيات السوق، وأنها ستظل تراوح وتتأرجح، حتى تكون أكثر وضوحا، لاسيما المتعلقة بسحوبات المخزون النفطي، سواء كان نفط خام أو منتجات.

وتيرة التعافي

وتوقع بعض المحللين أن تقوم البيوت الاستشارية بتعديل وخفض حجم الزيادة المتوقعة في الربع الرابع من العام، وهو ما يعني ضعفا بوتيرة التعافي في الطلب العالمي على النفط خلال ما تبقى من العام الحالي، والذي يتزامن مع ارتفاع المعروض في الأسواق، وبالتالي ستكون السحوبات أقل من المتوقع، وتبقى معه إطالة في جهود عودة المخزون النفطي الكبير إلى مستوياته الطبيعية، وبالتالي تضغط على الأسعار، وتمنع من التعافي.

لذلك جاء إعلان شركة أرامكو، بتسعير نفوطها لشهر أكتوبر ليسوغ هذا المفهوم، وفق انطباعات السوق النفطية، لأنها خفضت أسعار نفوطها لمختلف الأسواق، وعلى رأسها آسيا، رغم أن التغيير الذي قامت به «أرامكو» يعكس حركة أساسيات السوق النفطية، ويستهدف تشجيع إقبال المصافي على شراء النفط، لكن ارتفاع المخزون يمثل تحديا، خصوصا في محوري الطلب؛ الصين والهند، علما أن الهند أيضا تعاني انتشار موجة جديدة من «كورونا».

العلاقات التجارية

وفي الأثناء، تبقى العلاقات التجارية الأميركية- الصينية تؤرق الأسواق، خصوصا مع تصعيدها، في ظل أجواء الانتخابات الأميركية، حيث أطلق الرئيس الأميركي ترامب حملة انتقاد جديدة ضد الصين.

وتُعد الصين من الأسواق الواعدة التي تدعم استمرار الطلب العالمي على النفط بشكل كبير، فقد نما الطلب فيها خلال عام 2018 بمقدار 540 ألف برميل يوميا، ليصل إلى 12.86 مليون برميل يوميا، وهو يمثل 37 في المئة من إجمالي الزيادة في الطلب على النفط. وخلال عام 2019 نما الطلب على النفط في الصين بمقدار 440 ألف برميل يوميا، ليصل إلى 13.3 مليون برميل يوميا، وهو يمثل 61 في المئة من إجمالي الزيادة في الطلب على النفط.

إلا أنه ووسط آثار انتشار «كورونا» في العالم، فقد تراجع الطلب بالصين خلال الربع الأول من عام 2020 إلى 10.7 ملايين برميل يوميا، مقابل 12.63 مليون برميل يوميا خلال الربع الأول من عام 2019، أي سجل تراجعا بمقدار 1.93 مليون برميل يوميا، لكن المؤشرات تؤكد تعافيا في الاقتصاد الصيني مع انحسار «كورونا» هناك.

المخزون العائم

ومما لاشك فيه، فإن أحد المؤشرات المهمة بالنسبة لأسواق النفط هو المخزون العائم، حيث إن تكدُّس الناقلات أمام موانئ الصين يمثل عامل ضغط على أسعار النفط، فضلا عن تسجيل واردات الصين من النفط الخام تراجعا كبيرا من 12 مليون برميل يوميا في يوليو إلى 11 مليون برميل يوميا، حيث يمثل ذلك عاملا مهما أسهم في انطباع السوق حول ضعف الطلب بالصين، وخفض في معدل تشغيل المصافي هناك.

ويرى بعض المراقبين للأسواق، أن هناك مخاوف من موجة جديدة من انتشار «كورونا» قد تؤثر على وتيرة تعافي الطلب على النفط، وهذه المخاوف لاحت في الأفق فعليا، حيث لم تشهد حركة الطيران، خصوصا العالمية، تعافياً إلى المستويات السابقة، وقد تشكِّل تحدياً أمام تعافي الطلب.

ورغم ضعف الأسعار، فإن التوجُّه العام للتوقعات أن المستويات الحالية للأسعار مدعومة وقابلة للتعافي خلال عام 2021.

ويرى بعض المهتمين بالصناعة إمكانية بلوغ أسعار النفط 65 دولارا للبرميل خلال الربع الرابع من العام المقبل.

سحوبات المخزون

بيد أن الأمر برمته مرتبط بسحوبات المخزون النفطي العالمي، والسيطرة على «كورونا»، من خلال التوصل إلى علاج، وكذلك أداء الاقتصاد العالمي، وأخيرا استمرار تقييد المعروض، خصوصا في ظل عدد من الدول المنتجة، التي تأثر إنتاجها بسبب عدم الاستقرار السياسي.

وفي الواقع، فإن بعض الآراء ترى أن الاتفاق الأخير لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها من «أوبك بلس» لم يسفر عن تحوُّل كبير في العرض، حيث تعهدت الدول التي تأخرت في امتثالها بالأشهر الأخيرة إلى تعويض إنتاجها الزائد عن طريق قطع أعمق في الإنتاج على المدى القصير، وهذا يجعل تخفيضات «أوبك+» أعمق على المدى القصير، فبدلا من تخفيف التخفيضات إلى 7.7 ملايين برميل باليوم في أغسطس الماضي، قد تخفف إلى 8.1 و8.3 ملايين برميل في اليوم، وهذا مؤشر صعودي بالنسبة للأسواق، وهو اعتبار غير واقعي.

بيانات تصاعدية

وقال بعض المحللين إن بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية الأخيرة تُعد تصاعدية جدا، بعد انتظار طويل. ومع ذلك، نصح المحللون بالحذر، كون السوق النفطية الأميركية، من وجهة نظرهم، لا تزال بعيدة جداً عن الوضع الطبيعي، سواء من حيث الطلب أو المخزونات.

وفي غضون ذلك، يبدو أن هناك كثيرا من المخاطر الهبوطية في الأسواق، ويرتبط ذلك إلى حدٍّ كبير بوباء كورونا، وتأثيره الضار على الاقتصاد العالمي، فضلا عن مخاوف من حركة إغلاق جديدة في بعض الدول التي اجتاحتها موجة جديدة من «كورونا».

ويبدو أنه حتى عندما تُظهر بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية تحسنا، يرى البعض أن التحديات ما زالت قائمة، حيث لا يزال الطلب على البنزين نحو مليون برميل في اليوم، وذلك يُعد دون مستويات العام الماضي، وهو ما يقدِّم دليلا على أن القيود المتجددة على مستوى الولايات المتحدة تبقي الناس في منازلهم.

سيطرة على السوق

وتساءل بعض النفطيين عمَّا إذا تراجعت أسواق النفط، كيف سترد «أوبك+»، رغم أنها تبدي في الظاهر سيطرة على السوق بالوقت الحاضر.

لكن وفق رأى البعض، فإن الجانب الإيجابي بالنسبة لـ«أوبك+»، هو أن إنتاج النفط الصخري الأميركي لا يُظهر أي علامات على النمو، ولا يزال عدد منصات الحفر عند مستويات متدنية جدا، ومعدلات الانخفاض من الآبار الحالية يجب أن تؤدي إلى انخفاض الإنتاج الكُلي.

ووفق بيانات متخصصة، قلَّصت شركات النفط الأميركية عدد حفارات النفط والغاز الطبيعي العاملة إلى أدنى مستوى منخفض قياسي للأسبوع الـ 11 على التوالي.

وقال محللون إن نشاط الحفارات الأميركية سيعاود الارتفاع، بعد اقترابه من 250 حفارا، أو ربما بعد المستويات الحالية. ويتوقعون أن يبلغ متوسط عدد الحفارات 270 في النصف الثاني من 2020.

الخطر الحقيقي

وفي ضوء البيانات المتفاوتة قد تبقى أسعار النفط عند نحو 40 دولارا للبرميل خلال ما تبقى من العام الحالي، ما لم تكن هناك أحداث تقلب الوضع رأساً على عقب، كون الخطر الحقيقي هو أن الوباء لم ينتهِ بعد.

وفي هذا الجانب، قال محللون إنه «رغم إشكالية عناوين (كوفيد– 19) الحالية، فإننا نشعر بقلق أكبر بشأن التأثير على الطلب نتيجة الموجة الثانية للوباء في الشتاء المقبل، وتحديدا في نصف الكرة الشمالي».