سامية غشير: دور كبير للبيئة في تشكيل شخصية المبدع الأديب
تستعد لإصدار روايتها «لارين» عن التعايش الحضاري
● للبيئة مؤثراتها حيث تشكل شخصية المبدع ما تأثيرها في نتاجاتك الأدبية؟
- للبيئة دور كبير في تشكيل شخصية المبدع الأديب، الذي يؤثر ويتأثر بها، ولا ينفصل عنها؛ فالكاتب شأنه شأن الفنان ينحت صور الحياة والواقع والمأساة.
● مجموعاتك القصصية "حواس زهرة نائمة"، و"يكفي أن تحلم" بدت أشبه بالاحتجاج العلني على واقع الحياة الذي خيّم عليه المتناقضات، لماذا برأيك؟
- إن مجموعتيَّ القصصيتين "حواس زهرة نائمة"، و"يكفي أن نحلم" فيهما ثورة وتمرد على واقع الحياة، المليء بالمتناقضات والمتضادات، فعالم اليوم يشهد الكثير من الاختلالات في المنظومة الاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية، والفكرية التي شوّهت صورة الحياة، وجعلت الواقع أكثر سوداويّة وكابوسيّة، فنشهد في عالمنا الكثير من صور العنف والقتل والموت، وإحساس المثقف باللاجدوى، والقلق الوجودي، والضياع، وانعدام الأفق، فالكاتب من خلال كتاباته يحاول أن يعيد التّوازن والاستقرار، ورسم ملامح الجمال، والفرح، والسلام، والأمل في تضاريسنا العربية الأكثر ظلاما وسوادا. إنّ الكاتب الحقّ هو من يصور العالم على حقيقته دون تزييف، أو تشويه، أو تجميل، انطلاقاً من المقولات المتداولة التي تؤكّد أنّ "الأدب مرآة عاكسة للواقع والحياة"، وأنّ "الأديب ابن بيئته"، يتفاعل مع صور ومعطيات الواقع، ينقلها ويسجّلها، ويصوّرها بشفافية وعمق، مضفياً عليها روحه، وشعوره، ومتوسّلا شتّى الأدوات الفنية في معالجته للقضايا، فالمتضادات الأكثر بروزاً في الأعمال الإبداعية في عصرنا الحالي: الحياة والموت، البياض والسواد، الفرح والحزن.● اهتمامك بالفلسفة الوجودية موجود في جل كتاباتك، ما الذي تناضلين من أجله؟
- الفلسفة الوجودية أضحت ضرورة ملحّة في الكتابة الأدبية المعاصرة، فهي تطعّم النص، وتمنحه العمق، وتجعله أكثر واقعية؛ لارتباطها العميق بالوجود الإنساني، ومعالجة أبرز القضايا المتّصلة بالإنسان المعاصر، الدي يعيش عالما داخليا غير مستقر ومتوازن، فهي تبحث في عمق الإنسان، وتعالج همومه، ومواجعه، وقضاياه الأكثر راهنية وحساسية، وأبرزها العنف، الموت، المثقف، العدم، الوجود، تقرير المصير، أنا من خلالي كتاباتي حاولت الاقتراب من نفسية وفكر الإنسان المعاصر، والهموم الكثيرة التي تشغله، وتثير فكره، وترهق نفسيته، وتطرّقت إليها في كتاباتي، وتقاسمت الهموم الجماعية والذاتية مع أبطال القصص والروايات، فالكتابة اليوم أضحت من وسائل المقاومة المهمّة والمطلوبة جداً، فالكتابة في نظري نضال، وقضية، وكفاح بحثاً عن إعادة الحياة، والكرامة، والفرح لإنسان اليوم الذي همّش، وغيّب، وظلم كثيراً في عالم يسوده العنف واللاعدل والسّواد.● لماذا الموت هو السؤال الفلسفي المهيمن على أعمالك الإبداعية؟
- الموت أضحى تيمة رئيسية في الكتابة الأدبية المعاصرة؛ لانتشاره بصورة طاغية وكبيرة بأشكاله المختلفة الموت العادي، الموت المعنوي، الموت الرمزي، موت يختزل كابوسية الحياة، في تمظهراتها المختلفة موت الضمائر، موت الضحكات، موت الفرح، موت الحبّ، موت الجمال، موت الإنسانية، فالحياة مليئة بصور الموت، وعلاماته، وإشاراته، فيجب على المبدع أن يكون صادقا موضوعيا في التّعبير عن الموضوعات الأكثر التصاقا بالحياة، وأبرزها الموت.● ماذا عن رواية "لارين" التي أعلنت وهي قيد النشر؟
- روايتي لارين سيمفونية الحبّ والموت لم تنشر بعد، تناولت موضوعا مهمّا جدا وهو التعايش الحضاري بين الأنا العربي والآخر الغربي، وسعت إلى معالجة صور الصّراع والتّصادم من جهة، وصور التّعايش والتّحاور من جهة أخرى، وقد سعت إلى التّخفيف من حدّة الصّراع، ورسم التّعايش عن طريق ثقافتي الحب والموسيقى، وما تضفيانه من سحر، وجمال، وإحساس، وإنسانيّة، وحياة.● ثمة علاقة وطيدة عمقت الإبداع بالنقد، أي منهما يجيب عن الناقدة والأديبة غشير؟
- ثمة علاقة وطيدة تكاملية بين الإبداع والنقد، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، فالنقد مهمّ جداً لتقييم وتقويم الأعمال الإبداعية، وتمييز جيّدها من رديئها، وتنبيه الكاتب إلى مواضع الإجادة والتميز لتثمينها من جهة، ومواضع الرداءة والنقص لتداركها. أنا أحب الإبداع والنقد، وأريد التميّز فيهما ، فالأجمل أن تكون مبدعا ناقدا، وهذا يشكّل إضافة ثرية حقيقية لتجربتك الأدبية.● النصوص المعاصرة الآن في حالة تغير دائم، وبعض النقاد يقدمون قراءات لا تضيف شيئا للعمل الإبداعي، برأيك هل هناك ارتباط بين النقد والأيديولوجيات السياسية؟
- النقد للأسف الشديد طغت عليه المجاملات والمصالح، فغاب النقد الموضوعي الحقيقي البنّاء، وحلّ محله النقد المجاملاتي الدي يخدم المصالح والمنافع الشّخصية، دون إضافة ترتقي بالنّص الأدبي وتثريه، فالبعض أضحى ناقدا وهو غير متخصّص، يعطي الأحكام الجاهزة غير المستندة إلى معايير منهجية بنّاءة تخدم النص فعلا، وقد لاحظنا لجوء بعض الكتاب إلى معارفهم وأصحابهم للحكم على نصوصهم، والتي مالت إلى التّبجيل والتعظيم، والواقع يثبت هشاشتها وضعفها، وعدم ارتقائها إلى الذوق العام للمتلقي، ولا تقدم شيئا لحقل الثقافة والمعرفة، فالنقد العربي يعاني أوجاع الوطن.● لماذا صارت الرواية هي الأهم إزاء الأنواع الأدبية الأخرى؟
- الرواية أضحت ديوان العصر، وأهمّ الفنون الإبداعية، وسرقت من الشّعر وهجه وحضوره السّابق، فنسبة مقروئية الرواية تفوق أضعافا مضاعفة نسبة مقروئية الشّعر، فالقارئ العربي خاصّة والعالمي عامّة، وجد في الرواية متنفّسه وملاذه، فهرب إلى عوالمها المتشعّبة، واقترب من فضاءاتها المتعددة، وغاص في أعماق شخصياتها، وعاش معهم همومهم وظروفهم، فرح لفرحهم، وحزن لحزنهم، فالرواية فضاء شاسع لا متناهٍ من الموضوعات، والقضايا، والأنساق الثقافية، يستلهم الكاتب أفكاره وتصوّراته من ميادين مختلفة أبرزها علم النفس، الفلسفة، التاريخ، السّياسة، علم الاجتماع، فهي مخزون كبير من الأفكار، والتصوّرات، والرّؤى، والبنى، وهذا ما يبرز ميل الكاتب إلى عوالمها العميقة، والدّليل على ذلك عشرات الأعمال التي تنتج وتطبع كل سنة.● السرد النسوي أثبت قوته ومكانته في الوطن العربي، ما تقييمك للسرد النسوي الروائي في الجزائر؟
- السّرد النسائي الجزائر ضعيف الحضور مقارنة بالنسائي العربي، وذلك راجع إلى ظروف الثقافة في الجزائر التي تدعم وتفتح آفاق التميز والتطوّر للأديب على حساب الأديبة، إضافة إلى سيطرة الفكر الذكوري في الجزائر على المشهد الإبداعي، وغياب الدعم الإعلامي، والمؤسّسات الثقافية، وانّ الأدب النسائي في الجزائر لايزال مغيّبَ الهوّية والحضور، وغياب التصنيف، ويحتاج إلى احتفاء واهتمام كبيرين من قبل القائمين على حقل الثقافة الجزائربة؛ من أجل خلق أدب نسائي قيّم، جدير بالاحتفاء الأكاديمي والنقدي، ومنافس للتّجارب الإبداعية النسائية عربيّا وعالميّا.● ما المشروع النقدي الذي يشغلك؟
- مشروعي النقدي القادم بل عندي مشاريع مستقبلية في مجالات الرّواية، والمسرح، والسّينما، تحتاج إلى وقت للاشتغال الأكاديمي الجادّ.