"نحوز وفرة مالية ولكن نحتاج إصلاحات اقتصادية"، حديث سمو رئيس مجلس الوزراء السابق لا يختلف حوله إلا اثنان، طرف أعذره تماماً "والله يلوم اللي يلومه" وطرف لا أعذره "ولا يطهره المطر الحمضي عشرين عاما". الطرف الأول المعذور هو المواطن البسيط الذي تزدحم في شوارع همومه كل دقيقة المانشيتات والتحليلات المتشائمة والصاخبة، فتسبب له ضوضاء شديدة تجعل عقله يعيش في ضباب يحجب رؤيته عن مشاهدة النقاط المهمة لوضع بلاده، ولا يمكن أن ألوم هذا المزحوم ضوضائيا وضبابيا، فهو يفهم فقط أن سعر البيت لا يخضع لمفاهيم العقار العالمية، بل يتم تداوله في "بورصة بيض الصعو"، حيث الموجود "ينطري ولا ينشاف"، وحلم البيت الوردي يتحول إلى كابوس مزرٍ تتجسد مشاهده على مسارح طاولة موظفي قروض البنوك ومكاتب العقار.
وهو يفهم أيضا أن راتبه يخوض كل شهر معركة مع (هيدرا*) التضخم الذي كلما قطعت له رأسا نبت مكانه رأسان، فيستقطع من راتبك جزءا للإيجار، كمثال، وفوراً ينبت مكان القطع رأسان: رأس للمصاريف الدراسية ورأس لمصاريف المعيشة وهلمّ جراً. هذا المواطن لا يلام عندما لا يفهم معنى الوفرة المالية ولا الإصلاح الاقتصادي ولا (A1) موديز واختلافها عن (F) الجامعات والتطبيقي، ولا يحتاج إلا تطبيقا عمليا يبدأ من ألف شهادة راتبه حتى ياء أرقام فواتيره، مع شرح واقعي على الأرض، يراه بعينه ويتحسسه بأنامله. أما الطرف الآخر الذي يستخدم مع الشارع نظريات مدرسة شيكاغو أو ما يعرف بنظرية الصدمة والرعب لتوماس فريدمان، ويصور وضعنا المالي بأسلوب "جاكم ذيب العجز وجاكم ولده الاقتراضي" فهذا يرمي لإحداث تفكيك في الشعور العام وضغط على صاحب القرار لتقبل أي إجراءات قاسية قادمة تصب في مصلحته هو لا غيره، ويصورها وسط كلامه الحزائني الذي تدمع حروفه كما دمعت عين إخوة يوسف وكأنها المخلّص الاقتصادي الموعود لكل مشاكل البلاد، في حين هي في تفاصيلها يكمن شيطان المصلحة الذاتية وفائدتها له وحده، ولن يستفيد أحد غيره منها. وما بين الطرف المعذور والطرف المسعور تبقى حقيقة أن الكويت الوافرة مالياً تحتاج إصلاحا اقتصاديا يديم هذه الوفرة عبر طرح البدائل المناسبة، وبعيدا عن تكالب المصالح الشخصية التي نحتاجها لإراحة موردنا الوحيد النفط، على شرط أن تكون إصلاحات متوافقة مع ميزان المساواة والعدل الدستوري قبل توافقها مع نظريات الاقتصاد العالمي، وأحلام بلاعي البيزة، إصلاحاً يبتعد عن جيب المواطن البسيط قدر الإمكان، فكل دينار يوضع على ظهر قوافل هذا الجيب هو بمثابة قشة ستقصم ظهر كل بعير لمصاريفه، بعد فهم هذه النقطة كل إصلاح اقتصادي هين وسهل لو كنا نريد الإصلاح فعلا لا المصلحة الذاتية والشخصية. * الهيدرا: حيوان أسطوري إغريقي كان له 10 رؤوس كلما قطع رأس نبت مكانه رأسان.توضيح: أكتب هذا المقال كصاحب أقساط لا كمتخصص في الاقتصاد، ولذلك فليعذرني أهل الاقتصاد إن كنت أزعجت منام أرقامهم وأحلام خططهم الوردية، وليدعُ لي أهل الأقساط بأن أوصل ما في قلوبهم بصورة ترضيهم وترضيني.
مقالات
الإصلاح بين هيدرا المواطن وذئب المصالح
07-10-2020