إساءات القيادات الفلسطينية لقضيتهم
أكثر من أساء إلى القضية الفلسطينية هم الفلسطينيون أنفسهم، وخصوصاً قياداتهم، منهم عن جهل وغباء في تناول القضية ومنهم من تاجر بالقضية وحقق ثراء، وتسببوا في إلحاق ضرر كبير ومصائب بالشعب الفلسطيني. ومن الأمثلة على ذلك عرض في الأمم المتحدة عن مشروع الدولتين عام 1947، دولة للفلسطينيين تشمل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وباقي أرض فلسطين لليهود، وتضمن الأمم المتحدة الحدود بين الدولتين، وعرض المشروع على الجامعة العربية بعد أن وافق عليه الجانب الإسرائيلي. ورأى النحاس رئيس وزراء مصر في تلك الفترة قبول المشروع، معللا ذلك أنه في حالة رفض المشروع فلا خيار أمامنا سوى دخول حرب وسنخسرها، لأن الدول الكبرى ستقف إلى جانب إسرائيل، وليس بإمكاننا الانتصار عليهم، ورفض الفلسطينيون رأي النحاس، وبالفعل تمكنت إسرائيل بعد انتصارها في حرب 48 من احتلال الأراضي الفلسطينية بقوة السلاح.
وفي 1956 وقبل العدوان الثلاثي طرح بورقيبة حلاً قال إنه تفاهم مع الجانب الإسرائيلي عليه، وهو شبيه بمشروع الدولتين الذي عرض على الأمم المتحدة وحث الفلسطينيين على قبوله ولكنهم رفضوا، وتمكنت إسرائيل بعد نكسة 67 من احتلال الضفة والجولان وأرض سيناء. ورأى السادات بعد انتصاره في حرب 73 أنه من الجنون الاستمرار في الحروب مع إسرائيل إلى ما لا نهاية وفضل الدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لاسترجاع باقي الأراضي المصرية والجولان والأراضي الأردنية والفلسطينية، وذهب منفردا لما ترددت الأطراف الأخرى، وعقد صلحا مع الجانب الإسرائيلي تمكن بموجبه من استرجاع الأراضي المصرية، ثم تبعه الأردن وعقد صلحا مع إسرائيل وتمكن بموجبه من استرجاع أراضيه. وفي 1993 تم توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، وقعها عرفات ورابين والرئيس الأميركي بيل كلنتون، وتم بموجبها اعتراف إسرائيلي فلسطيني متبادل، حيث تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية وأنها تمثل الشعب الفلسطيني وحق الفلسطينيين بإقامة حكم ذاتي في الضفة وغزة مقابل اعتراف المنظمة بإسرائيل، وأن تلقي المنظمة من ميثاقها العبارات المسيئة لإسرائيل. وقد جاءت الاتفاقية في ظل متغيرات دولية صعبة على الفلسطينيين، منها انهيار الاتحاد السوفياتي والهيمنة الأميركية على العالم بعد انتصارها في حرب تحرير الكويت، واقتنعت القيادة الفلسطينية بضرورة إيجاد كيان سياسي للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية، وتأكد لها بعد مرور عشر سنوات من إخراج قوات منظمة التحرير من لبنان بأن بقاء الحركة الوطنية في الخارج أصبح صعبا. وهكذا ذهب الفلسطينيون منفردين بعد أن رفضوا عرض السادات ووعوده لهم أنه سيحقق لهم تنازلات من الجانب الإسرائيلي ضمن مشروعه حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مقابل الاعتراف المصري بالدولة الإسرائيلية، ورفضوا عرض السادات ثم اضطروا لتوقيع هذه الاتفاقية منفردين.وفي عام 2007 استولت حركة حماس الإخوانية على قطاع غزة بقوة السلاح، وأعلنت خروجها من اتفاقية أوسلو وادعت أنها ستحرر أرض فلسطين من البحر إلى النهر بقوة السلاح، وفشلت كل الجهود العربية لرأب الصراع الفلسطيني، وبالطبع هناك دول إقليمية شجعت هذا الانقسام الفلسطيني وعلى رأسهم نظام الملالي في طهران، وظهرت أخطار جديدة في المنطقة منها أطماع نظام الملالي الذي أشعل الحروب في المنطقة لإعادة الإمبراطورية الفارسية، وأحلام أنقرة التي تحلم بإعادة النفوذ العثماني متحالفة مع التنظيم الدولي للإخوان والجماعات الدينية المتطرفة. في ظل هذه الظروف رأت دولة الإمارات والبحرين أن التطبيع مع إسرائيل وعقد معاهدة سلام معها، يمكن أن يخفف من التوتر في المنطقة الناتج عن الأطماع الإيرانية والتركية، وقد يغير من سلوك إسرائيل، فعندما تشعر أنها أصبحت من دول المنطقة تتعاون مع دولها وشعوبها على حل مشاكل المنطقة، وتسعى لتقدمها. فقد يشجع على إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة، وقد نستطيع تحقيق مكاسب عن طريق المفاوضات بما نعجز عن تحقيقه في الحرب، ومن المؤسف أن يقف الفلسطينيون موقفا سلبيا من مسعى الإمارات ودول الخليج، بل كان من المفروض من الجانب الفلسطيني أن يتريث ويدرس الموضوع من جميع جوانبه، وكيف يستفيد منه الجانب الفلسطيني، وكيف يحقق السلام العادل للشعب الفلسطيني، ولا يتمسك بالمواقف البالية التي عجزت أن تحرر شبرا من أرض فلسطين، وأسوأ ما عملوه هو "مؤتمر الفصائل الفلسطينية" الذي عقد في بيروت عبر الفيديو وبتشجيع من نظام طهران وميليشياتها، وصدر عنه شتاثم لقادة دول الخليج وشعوبها، وذكرنا بالتأييد الفلسطيني لاحتلال صدام للكويت، ولا نعرف ما الذي سيستفيده الفلسطينيون من هذا التهريج؟