عندما أستذكر بلاد زنجبار يلوح في أفق الخيال أسطول سفن الشراع الكويتي، وهي رافعة أشرعتها البيضاء، تمخر عباب الخليج العربي وبحر العرب والمحيط في حركة دائبة لا تهدأ إلى تلك البلاد البعيدة على ضفاف شرق إفريقيا، لجلب أخشاب "الچندل" إلى الكويت والمواد التجارية الأخرى. 

وفي عهد سلطانها خليفة بن حارب آل بوسعيد (1911- 1960)، ازدهرت زنجبار واتسع أفق تجارتها مع العالم في تصدير القرنفل (المسمار) والأخشاب، وتأتي الكويت في مقدمة الدول المستوردة لأخشاب الچندل الآنف الذكر، وليس لحاجة الكويت وحدها بل لاحتياجات دول الخليج العربي الأخرى، وكانت تحملها السفن الكويتية إلى موانئ الخليج العربي حسب الكميات المطلوبة.

Ad

يأتي هذا السلطان في قوة نفوذه ورخاء تجارة بلاده بالمرتبة الثانية بعد السلطان برغش بن سعيد، الذي حكم من 1870 إلى 1888، والذي كانت عملته تسمى البرغشية، وتداولت في كل دول الخليج العربي، وعرفت في الكويت باسم البيزة البرغشية نسبة لاسمه، وتأتي معرفة النواخذة والبحارة الكويتيين بهذه العملة نتيجة اتصال الملاحة الكويتية مع شواطئ زنجبار.

وبعد وفاة السلطان خليفة بن حارب عام 1960 حكم بعده السلطان جمشيد آل بوسعيد، وحقق الاستقلال لبلاده في عام 196٣، وانضمت زنجبار إلى الأمم المتحدة كدولة مستقلة، وأرسل السلطان جمشيد سفراء إلى بعض الدول العربية ومنها مصر، ولكن تسير الرياح بما لا تشتهي السفن، فتحدث ثورة عصيان داخل زنجبار عام 196٤ من الزنوج والعبيد بدعم من حزب "الأفرو شيرازي" الإفريقي، بتأييد ودعم من المجرم عبيد كرومي الذي أصبح فيما بعد رئيساً، وينهي بطريقة بشعة ويبيد آلاف العمانيين والعرب الأبرياء، وهم من سكان زنجبار الأصليين - نحتسبهم عند الله شهداء - وبذلك ينتهي حكم آخر سلاطين زنجبار، وتتقطع أوصال زنجبار بين كينيا وأوغندا.

ولهذه البلاد ذكريات جميلة وطيبة في قلوب كل الكويتيين الذين وصلوا إليها، ونتيجة حب أهالي عُمان في زنجبار يستضيفون الكويتيين في بيوتهم، ويهدونهم الحلوى العمانية الشهيرة لأخذها معهم في رحلة العودة. ويذكر أحد الأصدقاء أن أحد تجارها أسس مكتبة، وأطلق عليها اسم الكويت، واستمرت إلى عهد الستينيات، وكانت سفارة الكويت في نيروبي - كينيا ترسل الفائض لديها من الكتب والمطبوعات لصاحب المكتبة تشجيعاً له.

فهل تعود "بلاد القرنفل" إلى أهاليها العمانيين الذين اكتشفوها قبل 500 عام، وهي أرض بكر لم تطأها قدم بشر، وعمروها، وكانت لديها حضارة وتاريخ يفتخر بهما العرب جميعاً؟!